| |
إغلاق إيجابي للمؤشر بعد هبوط فوضوي طويل تجدد مخاوف هروب السيولة ما لم يتم إيقاف المسار الهبوطي
|
|
د. حسن أمين الشقطي * أغلق المؤشر هذا الأسبوع إيجابياً عند 8401 نقطة رغم هبوطه بنسبة طفيفة (0.31%) بعد أيام طويلة من الهبوط المستمر تخلّلها ارتداد خجول لم يدم طويلاً يوم الأحد الماضي. وقد سادت خلال هذه الفترة حالة من التشاؤم الكبير لدى جمهور المساهمين باختلاف مستوياتهم وأحجامهم، الأمر الذي قاد إلى حالة من الركود أدت بطبيعتها إلى نوع من اليأس لديهم في ارتداد أو تحسن حالة السوق، بما أدى إلى عزوف جماعي عن التداول بالشكل الذي نجمت عنه حالة من الفوضى والاضطراب في السوق. فلا أحد يعلم ماذا يحدث؟ أو لماذا يحدث؟ أو حتى كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الهبوط المستمر والمتواصل وبهذه النسب الكبيرة؟ ولاستكشاف هذا الأمر لا بد من التعرّف على الأطراف الرئيسية المرتبطة بالسوق، والتي تتمثّل في المساهمين بنوعيهم، كباراً وصغاراً، والجهة المنظمة للسوق متمثلة في هيئة السوق المالية. فضلاً عن اللاعب الرئيسي في السوق كوسيط ومستثمر هو البنوك، متمثلة في ذاتها أو في الصناديق البنكية التي لا تزال تنسب إليها. بالتحديد نسعى إلى الإجابة عن أسباب هذا الهبوط، وهل قاع المؤشر هذا الأسبوع عند 7868 نقطة يمكن أن يكون القاع الأخير للمؤشر؟ أم أن الارتداد الأخير يدخل في سياق استراحة المؤشر لمواصلة مساره الهبوطي؟ وإذا كانت مواصلة المسار الهبوطي هي الأكثر احتمالاً، فهل بالإمكان الاستعاضة عنه مع الحفاظ على عدالة السوق وتوازنه؟ هل المؤشر جاذب للمستثمرين أم منجذب إلى أسفل؟ أحرز المؤشر هذا الأسبوع مستويات قياسية جديدة لم تكن في الحسبان منذ وقت قصير، حيث عاد المؤشر بعد هبوط مستمر ومتواصل إلى مستويات غادرها منذ عام ونصف تقريباً. فمنذ السبت الماضي والمؤشر يدور في فلك الـ 8000 نقطة لدرجة أنه حتى بعد الارتداد القوي الذي حدث يوم الأحد الماضي والذي ربح فيه المؤشر 8% تقريباً، سادت روح تشاؤمية عميقة توقع معها الجميع أن المؤشر سيهبط إلى ما دون الثمانية آلاف نقطة مع نهاية هذا الأسبوع. وعلى الرغم من المستوى المتدني للمؤشر والذي من المفترض أنه قد أدى إلى تحسن حالة السوق والأسهم المدرجة فيه، إلا أن هذا التحسن لم يؤد حتى الآن إلى جذب المزيد من المستثمرين الجدد إلى السوق بقدر (نتيجة جاذبيته للهبوط لأسفل) ما نجم عنه عزوف المستثمرين الحاليين؛ مما أدى إلى نشوب الكثير من المحاذير حول أنه إذا لم يتم علاج السوق وإيقاف الهبوط المستمر والمتواصل في أقرب وقت ممكن فإنه يحتمل حدوث انسحاب جماعي من المستثمرين، الأمر الذي قد يقود إلى هروب السيولة ليس إلى قنوات بديلة فحسب (وربما يكون ذلك مرغوباً) ولكن إلى قنوات استثمارية خارج السوق المحلي، وهنا تكمن الخطورة. ولعل انتعاش سوق العملات ونمو أعداد المستثمرين المحليين فيه يعتبر من أكبر الدلائل على خطورة استمرار حالة الإرجاف والاضطراب داخل سوق الأسهم. بل إن انحدار السيولة الأسبوعية المستمر والمتواصل من مستوى 163 ملياراً في منتصف سبتمبر إلى 61 ملياراً في منتصف أكتوبر ثم إلى 57 ملياراً في منتصف هذا الشهر أكبر مؤشر على احتمالية هذه المخاوف. هذا ولن نتطرق إلى الحديث عن حجم الخسائر الحادثة في السوق حتى الآن نظراً للحالة النفسية السيئة التي عليها المساهمون الآن. نظرية الاستحثاث في تسيير المؤشر!!!!! نعم المؤشر يتحرك الآن بدافع قوى العرض والطلب في السوق، ولكن هذه القوى على ما يبدو تستحث بقوى أخرى تجعل العروض والطلبات تتحرك في اتجاهات معينة مرغوبة أو مخططة. فكل المساهمين في السوق يستغربون منذ أيام حدوث كثير من التناقضات في السوق. فعلى سبيل المثال لا الحصر: كيف ولماذا لم يكن هناك طلبات على سابك عندما كان سعرها 103 ريالات منذ أيام... ثم في يومي الأحد والأربعاء بدون سابق إنذار تظهر طلبات هائلة عليها عند أسعار حتى أعلى من 110 ريالات في يوم الأحد الماضي؟ إن ما يحدث في السوق تنطبق عليه نظرية الاستحثاث، بحيث أن طرف أو قوى داخل السوق تمتلك القدرة الكبيرة (سيولة هائلة وأيضاً كميات ضخمة في الأسهم وبخاصة القيادية) على تحريك الأسهم الكبيرة وبالتالي تحريك السوق ككل ... تقوم هذه الأطراف بحث السوق بالرش أو الطلب على بعض الأسهم، وكانت سابك تلعب دور القائد في هذه العملية، حتى يتحرك القطيع فتغادر هذه الأطراف تاركة السوق في خضم حالة مرغوبة، يفترض أن تكون هذه القوى هي صنّاع السوق- انظر الجدول (1). هل يكون ارتداد مؤشر الصناعة بداية تصحيح مسار الاستثمار في السوق!!! رغم أن المؤشر العام للسوق سجل هذا الأسبوع خسائر طفيفة بنحو 0.31% بفعل الارتدادات القوية التي انتشلت السوق من قاع ما دون الثمانية آلاف، إلا أن اللافت للنظر هذا الأسبوع تسجيل القطاع الصناعي وربما لأول مرة منذ فترة طويلة تسجيله لصعود بنسبة 1.95%، وهو القطاع الوحيد الذي أغلق إيجابياً هذا الأسبوع متأثراً بارتداد وصعود سابك بنسبة 1.7%. وإذا استبعدنا فرضية الطلب على سابك لانتشال السوق بشكل متعمد هذا الأسبوع، فإن الاحتمال الثاني الذي يتوارد على الذهن.. هو أن المتداولين في السوق بدؤوا يصححون من مساراتهم بالاتجاه ناحية الاستثمار. ومع ذلك، فلا تزال الصناعة ثاني أكبر الخاسرين في السوق بنسبة 59% تقريباً بعد قطاع الخدمات الذي تجاوزت خسائره منذ بداية العام نحو 60%. أما القطاع الزراعي، فرغم استمرار نزيف خسائره منذ بداية هذا الشهر، إلا أن بعض أسهمه بدأت تتحرك لأعلى مرة ثانية بفعل مضاربات وعمليات تدوير عنيفة. لذلك، فقد بدأ مؤشره في الارتداد مرة ثانية بعد أن كسر مستوى 4000 نقطة إلى أسفل. ارتدادات الأحد والأربعاء.. حقيقية وينبغي أن تكون؟؟ هذا الأسبوع حدث ارتدادان داخل المسار الهبوطي للمؤشر في يومي الأحد والأربعاء، حيث ارتد المؤشر بنسبة 8% يوم الأحد، ونسبة 4.7% يوم الأربعاء، وتسببت هذه الارتدادات في إثارة كثير من الجدل حول هل هي ارتدادات حقيقية أم وهمية؟ وتنبع أهمية الإجابة على هذا التساؤل من معرفة نوع الارتداد في تحديد مدى طبيعة واستقرار السوق ليس الآن ولكن في المستقبل القريب. بداية نتساءل كيف حدث هذه الارتدادات وما هي أبرز سماتها؟ بداية الارتداد حدث على يومين غير متتاليين، واتصف بأنه حدث في كل مرة سريعاً وعلى مستوى كافة الشركات، وبنسب مرتفعة، ولكن الأهم أنه لم يحدث بعد تجميع طويل ولا حتى قصير. كما لم تحدث هذه الارتدادات في ظل ضخ أو تحرك مستوى السيولة المعتادة في السوق. وكما يعتقد بعض المحللين فإن الارتدادات الحادثة وللحقيقة لم تكن ارتدادات حقيقية، ولا يمكن أن نثق بها إلا إذا حدثت لعدد يزيد عن ثلاثة أيام تداول متواصلة. إلا أن الأمر المستغرب هو أنه بمجرد حث المستثمرين في السوق بكميات طلب على بعض الأسهم بفعل صنّاع السوق يومي الأحد والأربعاء لم يمكث المؤشر طويلاً، بل اتجه سريعاً إلى الأعلى وبنسب كبيرة وعلى مستوى كافة الأسهم، أي أن المستثمرين في السوق لديهم بالفعل طاقة طلب حقيقية بعيدة عن التعمد، بما يؤكّد أن اتجاه السوق إذا ترك بدون تدخل من جانب صنّاع السوق هو اتجاه صعودي ويتوقّع أن يكون الصعود بنسب كبيرة. أي أن الارتدادات جاءت متعمدة ولكنها أظهرت حالة السوق الحقيقية وهي حالة شراء وتجميع. هل لصناديق الأسهم البنكية دور في قيادة المؤشر نحو الهبوط؟!! لا يخفى على أحد أن صناديق الاستثمار بعد الانهيار الكبير في مارس وأبريل، اتجهت لتغيير سياساتها الاستثمارية في السوق بحيث بدأت أكثر تركيزاً على الاستثمار منها للمضاربة. لذلك، فقد ظهر تركيزها على الأسهم الاستثمارية الكبرى في السوق. إلا أن انحدار أداء هذه الصناديق للدرجة التي وصلت نسبة خسائرها معها إلى أعلى من 55%. ونظراً لأن الصناديق ليست كأي فرد مستثمر في السوق فهي تمتلك أكثر مما يمتلكه المستثمرون العاديون من رأس مال، كما أنها يفترض أن تمتلك الخبرة والمهارة، فقد أدت هذه الخسائر التي تناهز خسائر سوق الأسهم ذاته أدت إلى زيادة شكوك المساهمين في إدارة ومديري هذه الصناديق. لذلك، وفي ضوء حالة الإرجاف الكبير التي انتشرت في كل من سوق الأسهم وسوق الصناديق وبخاصة منذ بداية أكتوبر، فإن حالة من البيع والانسحاب الجماعي أصبحت مسيطرة على مساهمي الصناديق. الأمر الذي يدفع مديري هذه الصناديق تلقائياً إلى إجراء عمليات بيع فورية كبيرة لمواجهة طلبات تسييل المستثمرين، بما يوجد ضغطاً على سوق الأسهم في فترات لا يوجد بها طلب الأمر الذي يؤثّر بشكل سلبي على حالة السوق. ولعل ما أعلن مؤخراً من أن كل مستثمر جديد في الصناديق يقابله أربعة أو ثلاثة مستثمرين منسحبين، يؤكّد أن الصناديق تمر بفترة انهيار وليس هبوطاً كما يحدث في سوق الأسهم حتى الآن. الشفافية والإفصاح مطلوبان من الجميع!!! لو افترضنا جدلاً أن صناع السوق يرغبون وصول المؤشر إلى مستواه العادل الذي يقبع عند مستوى 6000 نقطة كما يقال، فلماذا يستعجلون عملية الهبوط بهذا الشكل المخيف؟ فالنزول من 20635 نقطة في 25 فبراير إلى 10173 نقطة في 27 مايو تم خلال ثلاثة شهور، ثم توقف المسار الهبوطي لمدة خمسة شهور تقريباً لاستيعاب وامتصاص الغضب الجماهيري لدى المساهمين نتيجة الخسائر. فلماذا السعي للهبوط من مستوى 10 آلاف نقطة إلى 6000 نقطة (جدلاً أو افتراضاً) خلال شهر واحد، مع العلم بأن النزول الأول ربما كان من الممكن استيعابه من جانب المساهمين، في حين أن الهبوط الحالي من الواضح أنه صعب المنال في ظل الأزمات المالية التي يمكن أن يتسبب فيها لجمهور المستثمرين في السوق؟ ما نود أن نقوله إن أمراً غير مفهوم يجري الآن في السوق، هذا الأمر تنتقد فيه الجهة المسئولة عن السوق في عدم شفافيتها وإفصاحها الكامل عما يحدث؟ ولماذا يحدث؟ وكيف يمكن قبول حدوثه إن كانت تراه؟ المحافظ الاستثمارية الكبيرة... أين هي الآن؟!! الأمر الذي لا شك فيه الآن أن كبار المستثمرين أو المحافظ الاستثمارية المحسوبة على السوق كصانعة للسوق غير موجودة الآن بالسوق... كيف خرجت؟ ومتى انسحبت؟ وبماذا تمكنت من الخروج قبل الهبوط المتواصل؟ لا أحد يعلم .. فقط لا سيولة طويلة أو كبيرة موجودة بالسوق، وهو الأمر الذي يثير الشكوك كيف يمكن أن تتنبأ هذه المحافظ الكبيرة بأن هبوطاً متواصلاً سيحدث وأن هذا الهبوط سيتسبب في تآكل المحافظ الموجودة بالسوق بما يناهز 400 مليار ريال. المفترض أن هذه المحافظ تلعب دور صانعة السوق، ومن المفترض أنها كما تجني منه المليارات فإنها تتحمل مسئوليتها الاستثمارية تجاه السوق بأن تسانده وتدعمه أثناء الأزمات. ولكن هذه المحافظ اعتادت واحترفت الخروج قبل كل أزمة مخلفة وراءها ملايين الصغار يتحملون تبعات ما قد تفعله هي في الغالب من تلاعبات. إن حدوث ارتدادي يومي الأحد والأربعاء في ظل وجود مثل هذه المحافظ الكبيرة في السوق كان من الممكن أن يكون له التأثير القوي على ارتداد وتحسن السوق، لأن هذه المحافظ كان يفترض في ظل جاذبية المؤشرات المالية للكثير من الأسهم المدرجة في السوق بعد الهبوط الكبير، كان يفترض أن تقود عمليات تجميع طويلة ومؤكدة، ومن ثم تصنع دورة صعود، حتى إن لم تكن بنقاط كبيرة. ولكن ذلك لم يحدث ليس إلا لانسحاب هذه المحافظ، ولسوء الحظ أننا سنجدها أول الجالسين على طاولة السوق حال تقديم أي وجبة ثمينة في المستقبل. إذا كانت الهيئة ترغب في محاسبة كبار المستثمرين فإنها ينبغي أن تحاسبهم ليس فقط على تلاعباتهم في السوق، ولكن أيضاً على تقاعسهم المتعمد عن القيام بالدور الطبيعي كصنَّاع للسوق. مواطن حل مقترحة لإيقاف الهبوط!! لا أمل في الحل سوى من خلال إنهاء المسار الهبوطي لمستويات أكبر بدون تحميل المساهمين تبعات هذا الهبوط، نعم هي معادلة صعبة وربما تبدو مستحيلة، ولكن من اللا معقول أن نقول إن المساهمين في السوق اليوم يمكن أن نتركهم يتحملون آثار انهيار شامل يصل بالمؤشر لمستواه العادل، وبغير النظر في المحترفين الذين هم أساساً الذين وصلوا بالمؤشر إلى هذا المستوى الجنوني في فبراير الماضي. نحن ننظر إلى كبار المستثمرين الذين خرجوا أو انسحبوا الآن من السوق بعد جني ثرواتهم وملياراتهم إلى استثمارات بديلة، (فمؤشرات بدء انتعاشة غير طبيعة في أسواق العملات من مستثمرين محليين أصبحت حديث مجالس المستثمرين اليوم). بعض هؤلاء المستثمرين تحمل غرامات الهيئة وعقوباتها المفروضة ونأى ببقية ثروته إلى مجالات أخرى. إن مواطن الحل في السوق اليوم تتوطن في جهتين حسب مسئوليتها عن أطراف وقوى فاعلة في السوق، وهي كما يلي: 1- مؤسسة النقد العربي السعودي من خلال مسئوليتها عن صناديق الأسهم البنكية وأيضاً عن البنوك كوسيط ومستثمر ومقرض في نفس الوقت. 2- هيئة السوق المالية من خلال مسئوليتها عن كبار المضاربين في السوق سواء وجدوا أو انسحبوا من السوق ينبغي إرجاعهم لتحمّل تبعات قيادتهم للمؤشر إلى مستوى صعود جنوني في السابق هو السبب الرئيسي فيما يحدث هذه الأيام- انظر الجدول (2).
(*) محلّل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com |
|
|
| |
|