على مدى ساعة أو يزيد تحدث عالم اللغة الأستاذ أحمد حاطوم من بيروت مع الأديب الشاعر عبد الله باشراحيل هاتفياً مبدياً ملاحظاته النقدية على ديوان (الجراح تتجه شرقاً) الذي صدر عام 2004م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وقد قرأ الأستاذ أحمد حاطوم القصيدة قراءة عجلى خرج منها بأن القصيدة بها الكثير من الاختلالات العروضية وانتهت المهاتفة على غير قناعة من الشاعر باشراحيل، وبعد ثلاثة أسابيع من المحادثة التليفونية تلقى الأديب الشاعر باشراحيل هذه الرسالة النقدية من الأستاذ أحمد حاطوم.
الشاعر المجدد المعطاء، الدكتور عبدالله محمد باشراحيل - حفظه الله، وأطال للشعر بقاه.
أحييك بسلامٍ من الله ورحمة، وأتمنى الخير العميم، لك وللأسرة الكريمة، ولديوان العرب الثَّرّ، أن يزداد بشعرك ثراه.
وبعد:
فإنني أستهل بشكرٍ جزيل، أوجهه إليك؛ أن احتملت صوتي المحشرج، القاصر عن حمل الكلام، وتجشمت مشقة الاستماع، مدى ساعةٍ أو يزيد.
إنني، بمقدار ما سررت بالتحدث إليك، على أسلاك الأثير، أحزنني فاكتأبت، أني أسأت إليك، إساءة ردت إلي، وإن كان ما فعلت، مبرأ من القصد، وكانت طبيعة الموضوع مسؤولة عما فعلت، أو ساهمت فيه على الأقل.
الشاعر السعيد،
إنني، بعد فراغي من التحدّث إليك، وبعاملٍ من دفاعك الطبيعي المحِق، عما أخذته على دفاعك الجميل، عن حق العرب والمسلمين، ومرافعتك العصماء، التي أردت بها أن تشارك في قطع الطريق، على جراحٍ قاتلات، توسوس في الصدور، يتجهون بها إلينا.
إنني، بعد فراغي مما ذكرت، رأيتني أندفع إلى قصيدة (الجراح) أجالسها من جديد، أعيد النظر، على التحديد، في كل خلل في الوزن، سجلته على هذا البيت أو ذاك، من أبيات (الجراح)، فظهر لي، يا ويلي، بالروية والتدقيق: أن ما حسبتُه خللاً عندك في الوزن، كان خللاً عندي في الرؤية، ونقصاً عندي في التدقيق، باستثناء بيتٍ وحيد، هو البيت الثاني من الصفحات، وشعرت بأسى لا يُطاق، دفعني إلى تلاوة فعل الندامة، كما يقول إخوتنا المسيحيون، وكتابة هذه الرسالة، والإسراع في توجيهها إليكم، آملاً أن أحقق أمرين، ثانيهما في الترتيب:
أولهما في الرتبة.
- أن تقبلوا مني الاعتذار، ويكون لي منكم سماح.
- أن تفضي هذه الرسالة، إلى (إزالة آثار العدوان)، المبرأ من نية العدوان.
مُوضحاً، بموضوعية مصفاة، لا تبرير يشوبها ولا تسويغ:
أن بحر (المتدارك)، وربما غلبت تسمية (الخبب) عليه: لغلبة أن تتحول (فاعلن) فيه إلى (فَعِلن) و(فَعْلن)، كما سنرى، أن بحر الخبب هذا، الذي نُظمت عليه (الجراح)، قد تناوله، من التعديل، ما لم يخرجه من نطاق الإيقاع العام، الذي يجري فيه،
أن حسَّنا العروضي، الذي لم يزغ في يوم، حسَّنا الشخصي نعني، الذي يلتقط وزن البيت، أي بيت، أو يحكم بالكسر عليه، في غالبية من البحور، واضحةٍ الإيقاع، منها (الخبب)، بوزنه التراثي المعروف، وليس بوزنه المعدَّل، الذي يوقع الحس أحياناً في الالتباس، كما سنرى.
أن حسنا العروضي هذا، قد زاغ لمّا وزن أبياتاً من (الجراح)، ذكرناها على الهاتف، فحسبها مكسورة، وما بها من كسر. وكان مردُّ الزيغ: تعديلاً في وزن البحر سبقت إشارتنا إليه، ونوضحه الآن بمزيد.
- في الأصل النظري لبحر (المتدارك)، أو بحر (الخبب)، بشكله التامّ النادر الاستعمال: أنه (فاعِلُن) ثماني مرات: أربعٌ في الصدر، وأربعٌ في العجز. وبشكله المجزوء، يكون (فاعِلن) ستَّ مرات: ثلاث في الصدر، وثلاث في العجز، بل يكون أربع مرات: اثنتان في الصدر، واثنتان في العجز، كما هو في النشيد الوطني للبنان: كلنا للوطنْ - فاعلُن فاعَلن/ للعلى للعلَم = فاعلُن فاعلن.
* وفي التطبيق العملي، المنْحصر، على الأرجح، في العصر الحديث، يغلب على (فاعِلن) أن تتحول إلى (فَعِلُن) بكسر العين، تماماً كما يجري ل (فاعلن) التي في حَشوِ (البسيط)، أو تتحول إلى (فَعْلُنْ)، بتسكينها. وعلى هذا الوزن، الذي تحولت (فاعلن) فيه، نظم شوقي قصيدته المشهورة، التي غنَّاها عبدالوهاب، ومطلعها..