| |
كتاب في رحلة.. ورحلة في كتاب
|
|
* بقلم: لميس الإمام قطرات من سحائب الذكرى للكاتب السعودي المبدع الأستاذ/ عبد الرحمن بن محمد السدحان المملكة العربية السعودية كيف يمكنني التحليق فوق سحائب ذكرى الكاتب القدير عبد الرحمن بن محمد السدحان من دون أجنحة الخيال.. والإبحار في محيط لفّته ظلمات من بعدها ظلمات من بعدها بانت آفاق فجر جديد وُلد من رحم الحياة ليكون طاقة نور بدّدت تلك الظلمات من دون أن أقرأ شذرات الذهب تلك التي نسجها من وحي مسيرة حياته.. أطال الله في عمره؟! لقد وهبتني كلماته أجنحة التحليق لشق فضاءات المعرفة وطواف الأمكنة التي قادتني في رحلتي هذه - مع كتابه: قطرات من سحائب الذكرى - في تجوال داخل نفسه الرحبة وحياته التي هي نسيج وحده، والخوض في الطريق الصعب الذي سلكه وحده؛ طريق الحياة وصراعه معها ومع ظروفها القاسية؛ ظروف بيئية وظروف اجتماعية قُدِّرت عليه تقديراً؛ طريق الحياة الذي كابده منذ نعومة أظفاره إلى يومنا، الذي يقف شاهداً على إنجازات هذا الرجل العظيم في منظومة سلسلة متوالية بدأت به طفلاً صغيراً لتنتهي به عملاقاً في عالم الفكر والثقافة والعمل. وهنا يحضرني قول شاعر عربي يقول: وإنما رجل الدنيا وواجدها من لا يعول في الدنيا على أحد وهكذا هو الأستاذ عبد الرحمن السدحان بكل ما في الكلمات من معانٍ؛ فقد كان الزمان وكان العطاء فيه شاهدين على مسيرة ذلك الطريق الصعب الذي خاضه وما زال، الذي كان دائماً فيه صاحب القرار برؤية ثاقبة مذ كان طفلاً يراعاً ليصنع من نفسه شيئاً، وقد كان.. تسنّى لي التحليق ومن ثم الولوج بين رقرقات قطرات سحائب الذكرى لأستمتع وأسجّل إعجابي وتقديري لتلك القطرات التي تركت وراءها حروفاً ونقاطاً وفواصل نسجت وحاكت سيرة عطرة لرجل اليوم وطفل الأمس الأستاذ عبد الرحمن السدحان، لأنعم بهاتيك الهتان الذي تسلّل إلى داخلي محلقاً بحروف جادت بها روحه وخطها قلمه في كتاب سعة ثلاثمائة وتسع وسبعين صفحة إلى حدّ التشويق في متابعة أحداثها ليلة بعد ليلة أمضيتها من دون ملل ولكن بشوق إلى معرفة ما هو آتٍ.. حلقت وحروف كتاب ذكرياته وسيرته الذاتية الحافل بالتجارب المختلفة والمثابرة والإصرار لأن أنتهي بأن من صاغه بتلك القدرة الإبداعية ما هو إلا كاتب محترف بارع وضع سطور حياته التي عرضها بسلاسة الأسلوب والطرح بتشويق غامر، تلك الحروف وذلك الأسلوب اللذان بلورا السيرة الذاتية لشخصه الكريم مما أحالاها إلى مزيج من رواية أدبية وسيرة ذاتية تحوي بين طياتها نبذات حية من طفولته البريئة التي مرّت بظروف لا يحتملها طفل في عمره بين: - شد الحنين وجذبه إلى والديه طيّب الله ثراهما.. - وبين بعثرة المكان؛ مما وضعه موضع الحائر في اتخاذ القرار الذي يجمع بين النجدين.. - القرب منهما.. - واستكمال طريق العلم الذي بدأ يشعر أنه الطريق الذي لا بدَّ وأن يرسم مخططاً لاستكماله.. استطاع بإصرار الرجل الحكيم - على صغر سنه آنذاك - اتخاذ قراره المستقبلي ليكمل مسيرة الحياة بالنحت في صوانها المتقد، وليحقق أحلامه الصغيرة التي احتضنها وحققها دون أن تشغله هواجس مرحلة مراهقته عبوراً بمرحلة الشباب والكفاح.. تلك القفزات الجريئة التي حالت دون فشله، بل كانت بجرأتها وقوتها الطريق الذي اختاره ليمضي إلى تحقيق ما تلاها من أحلام راودته كانت مشوار طريقه بعد أن منّ الله عليه بتحقيقها. استطاع الكاتب بأسلوب شيّق في السرد أن يطرح تجاربه وبناء إصراره في سلسلة من الأحداث مرّ بها من طريق وعر المسالك إلى آخر شقه بأظافره لأن ينفذ من خلالها إلى الآلية التي حقّق عن طريقها مآربه ومساعيه التي قد تبدو إعجازاً أمام شباب اليوم، انتهاءً بمكافأة القدر له على مثابرته وجدّه اللذين لم يتوقف عن تحقيقهما على رغم شظف العيش وغربة الأمكنة وتفرُّق الأحبة؛ فقد كان رضى الله أولاً ثم رضى الوالدين مصاحباً لذياك الإصرار طوال تلك الحقبة المريرة وما تلاها من سنين في مسيرته الجادة المليئة بالصبر والمعاناة، مسيرة حريّ بها أن تتوج رحلة العمر تلك بما آل إليه من سمو ورفعة. تطرّق الكاتب من خلال استرساله في بوحه الذي يشدّ القارئ دون ملل ودون مقاطعة لسياق الأحداث بفن كتابي رفيع إلى بعض الأحداث المتباينة التي صاحبت رحلة حياته من أحداث مريعة انتصبت أمام طفل السادسة كغول كريه وتعليمه الأولي على يد أحد المشايخ المعلمين الذي ترك رواسب في النفس باقية إلى اليوم، إلى رحلة العلم في الولايات المتحدة الأمريكية وما صاحبها من صمود أمام مغريات تلك الحياة لشاب في مثل عمره.. مواقف وأحداث أدّت إلى الخوض في مرحلة انتقالية من عالم الطفولة إلى عالم مراهقة لم يعشْ منها سوى بوح على ورق ورسالة يحلم أن تنتشر عبر صحف محلية.. وذاك كان أقصى ما يصبو إليه في تلك الحقبة عندما اكتشف نزعته الملحة إلى الكتابة، هذا إلى جانب نبوغه العلمي الذي وضعه جسراً قاده إلى نهاية الطريق الذي خطّط له بذكاء وحنكة. الكاتب خاض بعمق وجمال في تربة الأرض وجذور بيئتها، عاداتها وتقاليدها، وتطرق إلى ظروف الضنك وقسوة الطبيعة في سياق العرض أبرز فيها تلك الظروف التي مرّت بها البلاد في السنين العطاش - زمن ما قبل دخول التكنولوجيا الحديثة إلى حضارتنا التي سهّلت ويسّرت سُبل الحياة - بحروف حلّق بنا الكاتب خلالها من دون راحلة ولا مركبة ولا طائرة إلى ربوع بلادنا العريقة الأصيلة منذ باكورة طفولته وقطراتها الحزينة إلى حيث هو الآن يسمو بقلم يرسم بريشة فنان بارع لوحات أدبية تحاكي جداريات ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو.. تبدو للعيان وكأنها تكاد تنطق من عزم الإتقان الفني. تتابعت أحداث سيرته الذاتية بذات الفن والتشكيل والأنفاس تتبعها لاهثة من فرط حدة الأحداث والمواقف التي سايرت مجرياتها وبدت كقوس قزح في نهار ربيعي حزين.. وعلى الرغم من أني لا أكتب إلا عن ذاتي ومكنونها لكن حروف ذكرى الكاتب وقطرات سحائبه حادت بي عن منهج كتابتي إلى حيث التحليق خلال سماء تجاربه الثرية لأضيف إلى بعض ذاته شيئاً من حروفي المتواضعة. وفي أواخر قطرات سحبه جاء ليحمل الغيث إلى الشباب - هذا الجيل - بنصائح ساقها من وحي الواقع الذي يمرّون به: الأولى: أن يكون ذا شأن ما في غده الموعود، وألا يفرط في قدرات وهبه الله إياها مادية كانت جسدية أو معنوية، بل أن يستثمرها ليكون عائداً ثمراً صالحاً لنفسه أولاً ثم لوطنه. الثانية: ألاّ يستعذب جيلنا الغالي شهد النعيم إلى الحد الذي ينصرف معه عن التفكير في أمرين مهمين: - أن الوفرة المادية التي نشهدها اليوم ليست نعيماً مقيماً كي يهنأ به بالاً فلا يفكر إلا في يومه فحسب. - أن القدرة الاستهلاكية للبشر وتقلبات مصادر المادة مداً وجزراً محلياً ودولياً قد تعرض هذا النعيم جزءاً أو كلاً لشيء من النضوب، فليتّخذ من وفرة اليوم زاداً للغد وردفاً.. وإن كان ما جاء في شذرات الذهب التي دوّنها ونثرها كاتبنا المرموق والقمة الشامخة في كتابه لا يكفي لأن نطلق عليه: رجل صنع نفسه، بل أقول: صانع أجيال أيضاً، ولبنة من لبنات هذا الوطن الكبير العظيم، أفهناك قول آخر يمكننا أن نطلقه عليه؟ سؤال أطرحه ولا أنتظر عنه إجابة، ولكني أدعه للقارئ كي يستشف الإجابة عنه بنفسه من خلال متابعة كتابه (قطرات من سحائب الذكرى) الذي دوّن في تقديمها مشيداً بها صديق عمره معالي الدكتور الوزير غازي بن عبد الرحمن القصيبي صديق عمر الأمس واليوم والغد: قصة تستحق أن تُروى. لا أدري من الذي قال: (لكل إنسان قصة تستحق أن تُروى)، ولكني أعتقد أنه لم يكن بعيداً عن الصواب؛ حياة كل إنسان سواء كان ملكاً أو سوقة، مشهوراً أو مغموراً، ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود ملحمة كاملة من التجارب والمشاعر والانفعالات. والذين يعتقدون أن القصص الجديرة بالتسجيل هي قصص صانعي التاريخ وحدهم ينظرون إلى الدراما الإنسانية الحافلة بعين واحدة وهي بحاجة إلى عشرات العيون، إن العظيم يحبّ كما يحبّ النكرة، والقوي يعاني المخاوف في الظلام كما يعانيها الطفل الصغير، والثري تخنى عليه صروف الدهر كما تخنى على مفترش الغبراء. عندما أستمع إلى إنسان يروي حكاية أستمع إلى حكايتي أنا، وأستمع معه إلى حكايات البشر جميعاً.
|
|
|
| |
|