ما هو الروماتويد؟
أحدث الطرق التشخيصية والعلاجية لمرضى الروماتويد المفصلي

أودّ في البداية أن نذكِّر بأنّ الروماتيزم ليس مرضاً محدداً ولكنه مصطلح أُطلق على مجموعة من الالتهابات و اضطرابات الجهاز العظمي العضلي تتكوّن من حوالي 165 مرضاً ينقسم معظمهم إلى نوعين على الأقل، لتصبح في النهاية حوالي أكثر من 650 مرضاً مختلفاً، وأنّ منها ما يصيب المفاصل ومكوّناتها ومنها ما يصيب العظام ومنها ما يصيب العضلات والأعصاب وحتى الأوعية الدموية، ومنها ما يصيب الأنسجة الرخوة كالأربطة والأوتار المحيطة بالمفاصل وأيضاً الأغشية والمحافظ المغلفة السيلوفانية ( الزلالية )، والمختصر أنّ مصطلح الروماتيزم هو (طب العظام والمفاصل والعضلات) وقد تعرّضت في آخر مقالة (ما هو الروماتيزم) إلى تعريف وتاريخ تطوُّر مصطلح الروماتيزم، وإلى شرح الوصف التشريحي والوظيفي للعظام والمفاصل، وتم أيضاً شرح تقسيم الأمراض الروماتيزمية وذكر نبذة مختصرة عن كلِّ منها وطرق التشخيص والعلاج المختلفة على وجه العموم.
ولقد رأيت أن أتعرّض اليوم في هذه المقالة بشكل بسيط إلى أحدث الأساليب التشخيصية والعلاجية لأكثر الأمراض الروماتيزمية شيوعاً في مجتمعنا مع نبذة مختصرة عن كل منهم:
1- الروماتويد أو التهاب المفاصل الرثياني (Rheumatoid Arthritis)
- يعرف هذا المرض بأنّه التهاب مزمن في المفاصل، يصيب مفاصل الجسم المختلفة وكذلك يتغلغل في بعض المرضى إلى أجهزة الجسم الأخرى، وكان يطلق عليه في الماضي الاسم الدارج (التهاب المفاصل المزمن) ولكن عندما اكتشف أنّه يصيب بعض أجهزة الجسم مثل الجهاز الدوري والجهاز العصبي والجهاز البولي وغيرها من الأجهزة، فقد اتفق على تسميته بمرض الروماتويد.
- أسباب الإصابة بمرض الروماتويد: رغم أنّ سبب الإصابة بمرض الروماتويد غير معروف حتى الآن، إلاّ أنّ هناك نظريتين لتفسير حدوث الإصابة، أولاً الإصابة بالميكروبات: حيث كان الاعتقاد القديم السائد أنّ مرض الروماتويد ينتج عن الإصابة بعدوى ميكروب؛ مثل ميكروب الميكوبلازما، الديفترويويد، الميكروب السجي، وكذلك بعض الفيروسات، ولكن لم يمكن فصل هذه الميكروبات بصورة قاطعة من جميع المرضى المصابين بالمرض. ويعتبر السبب الثاني وهو خلل جهاز المناعة: هو أقرب تفسير لحدوث مرض الروماتويد، حيث ثبت علمياً أنّ هناك عوامل تلعب دوراً رئيسياً في حدوث هذا الخلل. إذ تبدأ سلسلة من التفاعلات البيولوجية والكيميائية وتتسبب في فقدان جهاز المناعة لخصائصه المختلفة والتي تم شرحها في المقالة السابقة ( ما هو الروماتيزم) مثل خلايا الذاكرة والتخصص وغيرها. ومن هنا يبرز دور العوامل البيئية المختلفة والعوامل المحيطة بالإنسان التي تؤدي إلى إصابة بعض الأشخاص بهذا المرض، بينما لا يصاب به أشخاص آخرون تحت نفس الظروف البيئية والعوامل المحيطة.
العوامل المؤثِّرة في الإصابة بمرض الروماتويد
1- الوراثة:
- تلعب الوراثة دوراً ثانوياً في الإصابة بمرض الروماتويد حيث إنّه لم تثبت حتى الآن وجود علاقة قوية بين الإصابة بهذا المرض ووجود صفات وراثية مميزة في عائلات المرضى المصابين به. ولكن هناك اعتقاداً قوياً بأنّ معدلات الإصابة بالمرض ترتفع أكثر في العائلات التي أصيب أحد أفرادها بمرض الروماتويد خصوصاً بين الأجيال الحديثة من هذه العائلات.
2- العوامل النفسية:
- قد تمثِّل ضغوط الحياة المختلفة عاملاً هاماً في حدوث بعض التغيُّرات التي تؤدي إلى اختلال جهاز المناعة، فبعض الأشخاص يجدون صعوبة شديدة في التأقلم مع تغيُّرات الحياة ويتعرّضون لتقلُّبات نفسية عميقة نتيجة لذلك. ويتميز هؤلاء الأشخاص أيضاً بعدم القدرة على إظهار مشاعرهم بل وكبتها، كذلك لا يتكيفون مع المشاكل التي تصادفهم بل يعانون كثيراً في تقبُّل مسلّمات الحياة. ويتميّز مرضى الروماتويد بالذكاء الفطري الحاد وهم بعيدون كلّ البعد عن الحالات النفسية الصريحة، بل قد تعتريهم بعض التغيُّرات النفسية نتيجة ظهور بعض الإعاقة المصاحبة للمرض.
3- التغيُّرات الجوية:
- كان الاعتقاد السائد قديماً هو أنّ الأمراض الروماتيزمية عامة، ومرض الروماتويد بصفة خاصة، تحدث في البلاد التي يغلب على جوها الرطوبة بصفة عامة. ولكن ثبت حديثاً أنّ التغيُّرات الجوية أو طبيعة الجو لا تتسبب في حدوث مرض الروماتويد. غير أنّه وجد أنّ المرضى المصابين بالأمراض الروماتيزمية بصفة عامة يعانون من حدوث نكسات في فترات تغيُّر الجو من فصل إلى آخر بالرغم من التزامهم بالعلاج إلى أن يتأقلم الجسم على هذا التغيُّر في الجو. وهم أكثر حساسية من غيرهم في التأثر بنسبة الرطوبة حيث إنّ النكسات المرضية تحدث مع ارتفاع نسبة الرطوبة وتتحسن حالتهم المرضية في الجو الجاف نوعاً ما.
تسلسل إصابة المفاصل بالروماتويد:
- أول التفاعلات التي تحدث نتيجة خلل جهاز المناعة هو ظهور تغيُّر كيميائي في تركيب جزيئ بروتيني طبيعي في جسم الإنسان مما يحوله إلى جسم غريب بالنسبة لجهاز المناعة، وبالتالي يفرز الأخير مضاداً له في محاولة للقضاء عليه.
ويتحد هذان الجزيئان (الجزيئ البروتيني الطبيعي والمضاد له) ليكونا مركباً بروتينياً معقداً يدور في الدورة الدموية، وله جاذبية خاصة نحو الغشاء الزلالي داخل المفصل فيترسب في خلايا هذا الغشاء. ومن هنا يبدأ تفاعل داخل المفصل ينتج عنه.
- التهاب الغشاء الزلالي، فيزيد حجمه زيادة كبيرة داخل تجويف المفصل المحدود مما يضطره إلى النمو على هيئة ثنايا وبروزات في داخل التجويف، وتلتصق الثنايا والبروزات بالغضاريف التي تدخل في تركيب المفصل وتغطي النهايات العظمية.
ويبدأ تفاعل آخر بواسطة إنزيمات هاضمة تفتت الغضاريف، وبالتالي تبرز النهايات العظمية والتي تتكون فيها تجاويف وفراغات مما يسبب للمريض ألماً شديداً خصوصاً عند الحركة، حيث يصبح سطح العظام عارياً من الغضاريف التي تمنع احتكاك النهايات العظمية ببعضها البعض. ويؤدي زيادة حجم الغشاء الزلالي إلى إفراز السائل الزلالي المفصلي بكميات كبيرة ينتج عنها تضخُّم في المفصل وبالتالي شد في أربطته لفترة طويلة، مما يؤدي إلى ارتخاء هذه الأربطة على نحو ينتهي عادة بحدوث تشوهات في المفصل.
وكذلك فإنّ تباين قوة تأثير العضلات يؤدي إلى أن يأخذ المفصل أوضاعاً مختلفة بعيدة كلّ البعد عن الوضع الطبيعي له.
- وبالرغم من أنّ وظائف السائل الزلالي هامة جداً لعمل المفصل بصورة طبيعية، إلاّ أنّ الكمية الكبيرة التي تفرز من السائل في حالة المرض عديمة الفائدة حيث إنها تفتقر إلى المواد الهامة للزوجة هذا السائل، وكذلك لا تحتوي على مواد غذائية بالصورة الكافية لعملية التمثيل الغذائي اللازمة لغضاريف المفصل، وكما سبق ذكره في مرض ضمور وخشونة وتآكل غضاريف المفاصل الزلالية، فإنّ تعويض هذا السائل هو أحدث أساليب العلاج حيث إنّه مسئول عن نقل الغذاء عبر الغشاء الزلالي المغلّف للمفصل ويحمله لينقله لتغذية الغضاريف التقاطعية وبقية محتويات المفصل، عن طريق الانتشار الغشائي وظاهرة الضغط الإزموزي من خارج المفصل إلى داخله، لذا يجب أن يتضمن البرنامج العلاجي بجانب العلاج الدوائي، برنامج علاج طبيعي موضوع من قِبل الطبيب لزيادة كمية تدفُّق الدم إلى المفصل وإزالة الالتهاب مع تقوية العضلات المحيطة بالمفصل والمساعدة على مرونة المفصل الملتهب وعدم تيبسه.
معدل الإصابة بمرض الروماتويد:
- يبلغ معدل الإصابة بمرض الروماتويد 1-2% من عدد السكان في مختلف دول العالم.
وقد وصف المرض لأول مرة في عام 1800م، وتم تسميته بهذا الاسم في عام 1859م وقد كان هيبوقراط أول من وصف هذا المرض. كذلك قام بوصفه بعض العلماء الرومانيين واليونانيين. وقد أوضحت الإحصائيات العالمية أنّ نسبة الإصابة بمرض الروماتويد من إجمالي عدد السكان في عدد من الدول كانت كالآتي: فنلندا 7.5% - ألمانيا 5.7% - بريطانيا 4% - أمريكا 2.5% - تشيكوسلوفاكيا 1.3% اليابان 0.5%.
سمات مرض الروماتويد:
- يحدث مرض الروماتويد في أي سن، خصوصاً بين 40-50 عاماً ولكن أعلى معدل للإصابة يحدث عند سن الثلاثين، ويصيب الروماتويد الإناث بنسبة أكبر من الذكور، حيث تبلغ نسبة الإصابة في الإناث إلى الذكور 4 : 1 أي أنّه من بين كلِّ خمسة مرضى يعانون من مرض الروماتويد يصيب المرض أربعةً من الإناث وذكراً واحداً
الأعراض الأولية للمرض:
- من أهم الأعراض التي يشكو منها مريض الروماتويد، تيبُّس المفاصل خصوصاً عند الاستيقاظ في الصباح وذلك بسبب تجمُّع السوائل في أنسجة المفاصل نتيجة عدم تحريكها أثناء النوم .. على العموم هناك مجموعة عامة من الأعراض قد تدل على الإصابة بأي مرض ويصعب تشخيص مرض الروماتويد من هذه الأعراض وتشمل:
1- ارتفاع درجة الحرارة.
2- الشعور باعتلال في الصحة.
3- الشعور بإرهاق، سريعاً بعد بذل أي مجهود.
4- نقصان الوزن.
5- فقدان الشهية.
6- الشعور بآلام وتقلُّصات في العضلات.
7- الإحساس بمتغيرات حسية في اليدين والقدمين مثل الخدل أو التنميل.
8- تيبُّس العضلات.
إصابات المفاصل في
بداية المرض:
- بعد ظهور الأعراض الأولية قد تمر أسابيع أو شهور قبل أن تبدأ في الظهور السمات المميزة للمرض مثل التهاب المفاصل. وقد تبدأ الإصابة على هيئة مفصل واحد مثل الركبة وقد ينقضي بعض الوقت قبل ظهور الالتهاب في أغلب مفاصل الجسم. وفي بعض الأحيان يظهر نوع من الالتهاب الحاد والشامل في أغلب مفاصل جسم الإنسان، وفي هذه الحالة قد يبدأ المرض بهيئته الكاملة وصورته الكاملة في المفاصل الصغيرة مثل أصابع اليد والرسغين. وفي كثير من الأحيان تكون الإصابة متناظرة أو متماثلة بمعنى إصابة مفاصل اليدين في الناحيتين اليمنى واليسرى معاً وبنفس الحدة، ويحدث هذا في حوالي 50% من الحالات وتبلغ معدلات الإصابة بالمرض النسبة التالية بين مفاصل الجسم : مفاصل اليدين الصغيرة 65%، والرسغين 60%، مفاصل القدمين الصغيرة 48%، الكتفين 37%، الركبتان 55%، الكوع 20%.
تطوُّر المرض:
- يختلف تطوُّر المرض من شخص إلى آخر ويمكن التعرُّف على ثلاثة أنواع من مراحل التطوُّر:
1- النوع الحاد: حيث تصاب أغلب مفاصل الجسم في وقت متقارب جداً بالتهاب حاد مع ارتفاع في درجة الحرارة وظهور الأعراض الأولية، ومع العلاج يتحسن أغلب أعضاء هذه المجموعة من المرضى تحسناً ملحوظاً.
2- النوع المتقدم ببطء: وفي هذا النوع يصيب المرض عدداً قليلاً من المفاصل في البداية، ثم يتقدم المرض ببطء ليصيب مفاصل جديدة. ولا تصاحب هذا النوع أعراض أولية مثل ارتفاع درجة الحرارة وغيرها من الأعراض. وعادة ما ترتفع نسبة مضاعفات المفاصل في هذا النوع من حيث التشوُّهات وفقدان وظائف المفاصل.
3- النوع المتقلّب: وفي هذا النوع تحدث انتكاسات ومراحل شفاء للمفاصل على فترات متقاربة. ويختلف تطوُّر المرض من مريض إلى آخر حسب حدة المرض وشدته.
- وبمتابعة أعداد كبيرة من المرضى وُجد أنّ 30% منهم يتم شفاؤهم كاملاً، بينما وُجد أنّ هناك نسبة تصل إلى 30% من هؤلاء المرضى يعانون من آلام بسيطة ويحتاجون إلى كميات محدودة من الأدوية بجرعات قليلة. أما بقية المرضى ويمثلون حوالي 40% فإنّهم يعانون من تطوُّر المرض مع حدوث أزمات وانتكاسات شديدة. ويعاني البعض منهم من تشوهات المفاصل. وقد يتطور المرض إلى أقصى درجة، ويحتاج المريض في هذه الحالة إلى كرسي متحرك حتى يستطيع الحركة به بسبب التشوهات الدائمة التي حدثت في المفاصل.
تأثير التغيُّرات الجوية
على المرضى:
- ثبت علمياً أنّ تغيُّرات درجة الحرارة ودرجة الرطوبة والضغط الجوي يؤثِّر على مرضى الروماتويد، حيث وجد أن الجو الدافئ الجاف يعطي المريض إحساساً بالراحة ويقلل من ألم المفاصل وتيبسها، بينما يعمل الجو البارد الرطب على زيادة إحساس المريض بألم المفاصل وتيبسها. كذلك وجد أنّ تقلُّبات الجو وتغيُّر الفصول يؤدي إلى زيادة الإحساس بالألم وتيبس المفاصل. لكن لم تثبت علمياً حتى الآن أنّ الجو يؤثر على تقدم المرض وتطوره.
ونظراً لضيق المساحة، نستكمل بإذن الله عزيزي القارئ في العدد القادم شرح واستكمال الموضوع ويشمل تأثير مرض الروماتويد على أجهزة الجسم وطرق التشخيص والعلاج الحديثة.
.. مع أطيب تمنياتنا بدوام الصحة والعافية للجميع.