| |
أدب الحوار والحياة المنزلية منصور إبراهيم الدخيل(*)
|
|
إنّ الأُسرة المنزلية لها دور في حياة الفرد وهي العنصر المهم في تشكيل الأُمّة، فكلّما كانت متماسكة وتغرس أنماطاً سويّة تصب في منظومة الحياة مجتمعة، انعكس على الأُمّة ومكوِّناتها، فأدب الحوار مهم في حياتنا جميعاً، فالطفل منذ نعومة أظفاره يميل إلى الحوار والمناقشة مع والديه، فكلّما كانت هناك أُذن صاغية من والديه للأسئلة التي يطرحها والاستفسارات التي يسأل عنها، كان في متعة لأنّه يحس أنّ هذا الجو يخاطب ملكاته العقلية ويقوم بإشباعها، وحيث عندما نعود للوراء قليلاً نتذكّر البيئة التي عشنا فيها والتي يغلب عليها الارتجال والعفوية إلاّ أنّها كانت مؤثِّرة في تكويننا الجسمي والعقلي إلى حدٍّ كبير، ومثال ذلك كان الوالد يصطحبنا لزيارة أصدقائه ويجعلنا في المقدمة ويوجِّهنا لمصافحة فلان ويحثنا على تقبيل رأسه، وأحياناً يقول لنا قم بصب القهوة عن عمك، ويقصد صاحب المنزل الذي قام باستضافتنا، كذلك ما نسمعه ويردِّده الحاضرون في هذا المجلس عندما يسألون عن أسمائنا ومستوانا الدراسي، فيقولون (جعلك أحس من أبيك)، كذلك حثّنا على تفعيل مهارة الاستماع، وذلك عندما نتحدث نحن الإخوة بيننا تجد والدنا يوجِّهنا باحترام المجلس والاستماع إلى الأحاديث التي تدور داخله والتي عادة تشمل مآثر العرب وشيمهم وعاداتهم وبعض الطرائف، وفي بعض الأحيان يعرجون علينا نحن الأطفال لإشعارنا بأنّ قلوبهم معنا، هذه السلوكيات والأدبيات نعم هي مرتع خصب لأدب الحوار لأنّ أدب الحوار ليس قائماً على سؤال وجواب وإنّما يشمل أشياء كثيرة، فتكوين الشخص ودمجه بالمجتمع هو عنصر مهم يخدم الحوار، وهذا ما قطفنا ثماره في تربيتنا التقليدية التي أكاد وأجزم أنّها تفوق تربيتنا الحالية بالرغم من أنّ المناخ والأرضية التي تخدم الحوار أفضل من الماضي، ولكن لأنّ الحوار قائم بالدرجة الأولى على القدوة ومخافة الله والتصاق الفرد ببيئته، ولكن هذا لا يعني أنّ الحوار صعب التعامل معه في حياتنا اليوم، بل بالعكس إنّ الحوار وآدابه هو من أهم الأشياء التي تحتاجه الأُمّة اليوم، بل إنّ التصادم الفكري الذي يحصل في مجتمعنا هو غياب أدب الحوار في البيت بالدرجة الأولى وخصوصاً في هذا الوقت الذي نستطيع أن نقول إنّ الأُمِّية شبه اختفت داخل منازلنا فقط يتطلّب منا نفسية هادئة تستطيع احتضان الطفل داخل الأُسرة، واحتواء النشاط الزائد عنده والتي يغلب عليها الأسئلة والاستفسارات عن الأشياء المحيطة بالبيئة، ومعظمها حسِّية وأحياناً معنوية وفي بعض الأحيان يكون منصتاً بطريقة عفوية لبعض الأحاديث التي تتم داخل الأُسرة، ويرغب في الاستفسار عنها لأنّه يرى فيها بعض الغموض يشاهده من الأبوين في التكتُّم في الحديث عنها، أيضاً ما يدرسه داخل المدرسة يحاول الطفل أول ما يصل إلى المنزل بطرح الكثير من الأسئلة على والدته التي عادة تكون أول من يستقبله عند عودته من المدرسة، وغالباً يجد بعض الإجابة عندها خصوصاً عندما تكون والدته واعية ومتفهمِّة لخصائص الطفولة، وأحياناً لا يجد إجابة فيدَّخرها حتى عودة والده من عمله، فيقوم بطرحها عليه، فهناك من الآباء من يسرُّ بهذه الرغبة الشديدة من ابنه للتعلُّم من البيئة، فتجده يتفاعل معه ويجعله حواراً متكاملاً يلبِّي جميع خصائص الطفولة، فتجد ابنه كسب الثقة بالنفس وتحرّر من الانطواء ونظَّم فكره وجدّده، وقضى على العناد والتمرُّد عنده، وأصبح يعيش في حالة نفسية جيدة تكون سبباً له بعون الله وتوفيقه في الانخراط في معترك الحياة بعقلية ناضجة تقوده إلى الإبداع والتطوُّر، فمن هذا المنبر أهيب بالأُسرة المنزلية أن تعطي الحوار أهمية خاصة، وأن ننظر إلى أطفالنا داخل الأُسرة أنّهم أهم استثمار نستثمره في الحياة لخدمتنا وخدمة الأُمّة، هذا ما نرجوه وبالله التوفيق.
(*) مكتب التربية العربي لدول الخليج
|
|
|
| |
|