هل يمكن أن يوصف العالم الذي نعيش فيه بوصفٍ أدقّ من التخبُّط؟
إنَّ التأمُّل في حالة الناس في هذا العصر يؤكد لنا أنَّ عَالم اليوم يعيش في تخبُّط واضطراب خطير، على الرغم من كل مظاهر التطوّر والتقدم المادي التي نراها.
العين الفاحصة هي التي ترى هذه الحالة المؤسفة التي يعيشها العَالم البشري في هذه المرحلة من مراحل حياة البشر في هذه الدنيا، إنها عين البصيرة التي تتجاوز البريق الخادع، إلى الحقيقة المعتمة التي تؤكد مدى التخبُّط البشري في حياةٍ أمم نأت عن منهج الله، وابتعدت عن الحقِّ والخير والهدى والصلاح التي يحملها شرع الله سبحانه وتعالى.
حينما سألني ذلك الشاب المسكون بالحيرة والقلق قائلاً: لماذا نرى هذا الظلم، والقتل، والاعتداء، والاحتلال، والعداء الصارخ من العالم الغربي بقيادة أمريكا لنا نحن المسلمين؟ مع أن التطوّر المادي الذي نراه جديرٌ بأن يسعد الإنسان ويملأ قلبه يقيناً، ونفسه راحةً وهدوءاً، وبأن يجعل الناس جميعاً يعيشون في راحةٍ وهدوءٍ وسلام؟
حينما سألني ذلك الشاب هذا السؤال قلت له: أنت شاب مسلم مثقف، يقرأ القرآن ويتأمَّل ما ورد فيه من قصص الأمم الغابرة، أليس كذلك؟ قال: بلى. قلت له: فلنأخذ الآن قصة فرعون مع بني إسرائيل وموسى وهارون عليهما السلام، فهي من القصص التي يمكن أن نجد فيها إجابة عن سؤالك. قال: كيف ذلك؟
قلت له: جميع الآيات القرآنية التي وصفت لنا فرعون وملكه وحياته، تؤكد لنا القدرة المالية الهائلة، والتطور المادي المذهل المناسب لزمانه، ومظاهر الرَّخاء، والترف، وبذخ الحياة التي كان يعيش فيها فرعون وأهله وحاشيته وأتباعه وحلفاؤه، ونحن حينما نقرأ كلّ ذلك، نشعر بأننا أمام قوَّة بشرية كبيرة لا يستهان بها، وهي قوَّة مخالفة لمنهج الله، كافرةٌ به، فاسدة مفسدة، ولكننا من خلال سرد أحداث قصة ذلك الملك الطاغي نرى رأي الإدراك مدى التخبُّط الذي كانت تعاني منه تلك القوة البشرية الغاشمة، وندرك أنها قوَّةٌ تسير إلى الهاوية وهي لا تدري، علماً بأن المستضعفين في زمان تلك القوة كانوا يشعرون باليأس، ويعتقدون أن تلك القوة قادرةٌ على فعل كل شيء، وعلى البقاء، ولربما نظر بعضهم إلى ما فيها من مدنيّة برَّاقةٍ، وبنيان وزراعة وصناعة فانخدع بها، وخضع لها خضوع المستسلم المستكين الذي لا يتوقَّع أبداً أن تلك القوة ستتهاوى وتنتهي نهاية مؤسفة. ولربما لمنا ونحن نتابع سير أحداث تلك القصة أولئك اليائسين المثبّطين، والاتباع الخانعين، والمبهورين بمظاهر دولة فرعون القوية، وشعرنا أنهم ينظرون بعينٍ لا ترى إلا مظاهر القوة، ولا تستطيع أن ترى ما وراء ذلك من التخبّط والتهوُّر والضياع، إننا في تأملنا لقصة فرعون نرى مراحل السقوط المتتابعة التي انتهت بتلك القوة إلى الغرق في البحر في اللحظة الحاسمة، ونحن نرى ذلك لأننا ننظر إلى الأحداث من بعد، وحينما نلتفت إلى واقع قوة فراعنة هذا العصر لا نرى بتلك العين التي ترى ما وراء المظاهر البرَّاقة فنقع فيما وقع فيه المخدعون بقوَّة فرعون في زمانه، وننسى أنَّ البريق الذي يُعشي الأبصار في القوى البشرية الظالمة اليوم، يخفي وراءه ظلاماً دامساً من الجهل والكفر والتخبُّط الذي سيؤدي إذا استمرَّ إلى تلك النتيجة المؤلمة التي أدّى إليها تخبُّط قوة فرعون الظالمة، قال الشاب، وقد بدا على وجهه أثر الذّهول: أنا اؤمن بما تقول، ولكن نفسي ما تزال تتساءل: يا تُرى هل يمكن أن تتهاوى هذه القوى العالمية المتسلّطة المجهَّزة بأعتى وأخطر أنواع أسلحة الدَّمار والهلاك؟
قلت له: إن لله في هذا الكون سنناً لا يمكن أن تختلَّ، والنتائج للمواقف المتشابهة واحدة، لأن الله هو الذي خلق الكون له، وشرع له من شرائعه ما يصلحه ويبنيه، وتوعّد من يكفر بتلك الشرائع ويخالفها، ويتجاوز حدَّها من البشر بالهوان والهلاك في الدنيا والآخرة.
المهم أيها الفتى المسلم أن نقوم بدورنا نحن في بناء الحياة على أسس ما شرع الله، وألا نيأس مهما اشتدت الأحداث، فما شدَّة أحداث هذه المرحلة إلا دليل قاطع على زيادة التخبُّط العالمي، ومعنى ذلك أن القوى البشرية المعاصرة المخالفة لمنهج الله ستنال من الضعف والهوان والهزيمة ما كتبه الله سبحانه وتعالى على كل قوة ظالمة تخالف منهجه، وتظلم عباده، المهم أيها الفتى أن نتماسك وأن نكون على يقين أنَّ الحقَّ لا يضيع.
إشارة: