| |
عَلَمَان شاعر ورواية حول الملك عبدالعزيز 1-2 عبدالعزيز بن عبدالله المضحي
|
|
اهتم الملك عبدالعزيز بالأدب والأدباء واحتفى بهم، والتف حوله عدد منهم بعد بروزه على ساحة الجزيرة العربية، ومن أبرزهم الصديقان الأديبان، محمد ابن عثيمين شاعراً وعبدالله العجيري راويةً، اللذان رافقا الملك عبدالعزيز وصحباه في حله وترحاله وسفره وحضره، مشاركين له في غزواته وتنقلاته في أرجاء الجزيرة العربية خلال مرحلة التأسيس للدولة، واستمرت تلك العلاقة الوثيقة بين الأديبين والملك عبدالعزيز فيما بعد إعلان توحيد البلاد في مسمى المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، واستمرت المكاتبات بين الملك عبدالعزيز وبينهما بعد استقرارهما في بلدتهما حوطة بني تميم. وسأقدم للقارئ الكريم ترجمة لهذين العلمين الكبيرين من خلال ما يتوفر لدينا من بعض المصادر المطبوعة(1)، مع بعض المكاتبات التي بعثها كل من الأديبين إلى الملك عبدالعزيز ووالده الإمام عبدالرحمن، وأحسب أنها تُنشر لأول مرة، وقد زودني بصورتها الأستاذ الفاضل فيصل بن عبدالمحسن آل باز - جزاه الله خيراً. ولد شاعر نجد الكبير، شاعر الملك عبدالعزيز، السياسي، رائد الشعر النجدي الحديث، الشيخ محمد بن عبدالله بن عثيمين(2)، عام 1270هـ في بلدة السلميَّة من أعمال الخرج الواقعة جنوب مدينة الرياض بمسافة ثمانين كيلاً. ونشأ فيها يتيماً عند أخواله(3). أما موطنه وموطن آبائه فهو حوطة بني تميم التي تبعد عن الرياض بما يقرب من مائة وخمسين كيلاً جنوباً. تعلم الشاعر مبادئ القراءة والكتابة في كتَّاب بلدة السلمية، وقرأ القرآن الكريم نظراً، ثم تتلمذ علي يد الشيخ عبدالله بن محمد الخرجي قاضي السلمية، ولم يقف طلبه العلم عند هذا الحد، بل رحل إلى عمان وتتلمذ على يد الشيخ أحمد الرجباني، ثم رحل إلى قطر والتقى بالشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع فقرأ عليه في الفقه، ثم رحل إلى الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق في بلد العَمَّار من إقليم الأفلاج من نجد، فقرأ عليه في العلوم الشرعية، حتى ألَّم إلماماً طيباً بهذه العلوم، فهو عالم جليل قبل أن يكون شاعراً. بعد أن جاز الشاعر عهد الطفولة انتقل من بلدة السلمية إلى موطنه حوطة بني تميم(4) ومكث زمناً يتردد بينهما وبين بلدة السلمية ويقوِّي صلته بشيخه الخرجي، وكان العهد إذ ذاك عهد اضطراب واختلاف، واختلال أمن، في أثناء فتور حكم آل سعود في آخر عهد الإمام عبدالله بن فيصل - رحمه الله - فاضطر الشيخ الخرجي إلى مغادرة البلاد، سعياً وراء الرزق والطمأنينة، فصحبه تلميذه في رحلته إلى سواحل الخليج العربي البحرين و قطر وعُمان وتنقَّلاً في تلك الجهات(5)، ثم ألقيا عصى التسيار في بلاد قطر لدى حاكمها المفضال. في أثناء مكث الشيخ الخرجي في قطر لدى حاكمها الشيخ قاسم بن ثاني، وهو رجل من خيرة رجال العرب، كرماً وتقوى، وفضلاً وخُلُقَاً، عالماً أديباً، يتذوق الشعر ويتعاطى قرضه، اتصل شاعرنا بهذا الحاكم، وتوثقت عرى الصداقة بينه وبين أفراد أسرته، ووجد منهم ما حبب إليه إطالة الإقامة في قطر فإذا دعاه الشوق واشتد به الحنين إلى وطنه في نجد عاد إليه، ولقد بلغ وفاء الشاعر لهذه الأسرة الكريمة، وقوة صلته بها أن اشترك معها في محاربتها القبائل التي كانت تناوئها العداء، وتحاول العبث في حدود بلادها، بل بلغ به الأمر إلى أنه في أثناء قيام الشيخ قاسم بن ثاني لحرب قبيلة العجمان لأخذ الثأر لابنه جوعان المقتول سنة 1304هـ كان الشاعر هو الذي يحمل الراية، وقد أبلى في تلك الحرب بلاء حسناً، وظهر من آثار شجاعته، وشدة وفائه، ما رفع منزلته، وقوى صلته، بآل ثاني. مكث الشاعر متنقلاً بين قطر وما جاورها من البلدان، في كنف آل ثاني ورعايتهم حقبةً من الزمن، ثم أخذ يتعاطى تجارة اللؤلؤ الرائجة في تلك النواحي، فصار يسافر إلى البحرين لهذه الغاية، ويتصل بحكامه آل خليفة بحكم مهنته، ولشهرته التي نالها عند آل ثاني فأحبوه وأكرموه ولا سيما حضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، وكان شاعراً وأديباً فعرف للشاعر فضله، ورفع مكانته، وزاد في تكريمه وإجلاله. وقد أصيب الشاعر بضائقة مالية، وبظلم من أحد وجهاء نواحي تلك الجهات، فالتجأ إلى الشيخ محمد، فوجد منه خير عون في إزاحة الظلم عنه، بتوسطه لدى والده الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين مما أغدق عليه شاعرنا فيضاً من ثنائه، في قصائد هي من أقدم ما عثرنا عليه من شعره باللغة الفصحى(6). وفي سنة 1331هـ استولى حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود - رحمه الله تعالى - على إقليم الأحساء فقصده شاعرنا، وتقدم إليه مهنئاً بقصيدة مشهورة علقت في الأذهان كادت تنسي بجودتها وحسن سبكها قصيدة أبي تمام في فتح عمورية، يقول في مطلعها: العز والمجد في الهندية القُضُب لا في الرسائل والتنميق للخُطَبِ إلى أن قال: ذاك الإمام الذي كادت عزائمه تسمو به فوق هام النسر والقطب عبدالعزيز الذي ذلت لسطوته شوس الجبابر من عجم ومن عرب ليث الليوث أخو الهيجاء مسعرها السيد المنجب ابن السادة النجب قوم هم زينة الدنيا وبهجتها وهم لها عمد ممدودة الطنب لكن شموس ملوك الأرض قاطبة عبدالعزيز بلا مين ولا كذب إلى آخر القصيدة، فلقي من جلالته من الإكرام والرعاية، ما أطلق لسان شاعرنا بالثناء على جلالته دائماً أبداً، ومنذ ذلك الحين تفيأ الشاعر ظل هذا الملك الجليل، ولجأ إلى كنفه، فأحاطه برعايته، فترك التقلقل في الأرض، والتنقل في طلب الرزق، واستقر به المقام في وطنه حوطة بني تميم(7) يفد على جلالة الملك كل عام فيجد منه حسن الاستقبال والتقدير. وكان - رحمه الله - يتزيا في ملبسه بزي أهل عمان و قطر، لكثرة إقامته بينهم، كثير الصمت، طلق المحيا، كثير الصلة لرحمه، وعلى درجة من عظيمة من التقى والصلاح والتواضع، وكرم النفس، والشجاعة، وعلو الهمة، وأصالة الرأي، وحسن الخلق، عفيف اللسان، عن النطق بالهجر والقول الفاحش، وقد ترك الهجاء تُقىً وورعاً وترفعاً لا عجزاً. كثيراً ما يستشهد بالآيات والأحاديث، استشهاد متمكن من فهمهما، كما تدل أيضاً على معرفته لكثير من أخبار العرب في الجاهلية والإسلام، وحكمهم وأمثالهم. وليس من المبالغة القول بأن هذا إنما هو رجل فذ في جودة القريحة، وخصوبة الشاعرية، وغزارة الفهم، وكان في عهده شاعرَ نجد على الإطلاق، وكانت منزلته بين الأدباء لا تساميها منزلة، وأنَّ شعره يُعد سجلاً حافلاً لفتوحات الملك عبدالعزيز لتوحيد البلاد، ولا شك أنَّ في حفظ أشعاره حفاظاً على أهم سجل تاريخي من تاريخ بلادنا العزيزة، وقد تصدى أحد أبناء هذه البلاد المباركة الشيخ سعد بن عبدالعزيز بن رويشد - أطال الله بقاءه - لجمع ونشر أشعار هذا الشاعر الكبير بعد أن كاد كل شعره أن يضيع، فقد أدرك أهمية حفظه ولاقى من العناء والمشقة في البحث والتنقيب لجمع ما تفرق من أشعاره ما الله به عليم، وأصدره في (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين)، ويعد بحق عمل مهم يستحق الإشادة والإطراء ويحق له أن يعتز به، وما وصلنا ليس كل شعره فقد ضاع ما قاله في شطر عمره الأول. ظل الشاعر محاطاً من آل سعود - أعزهم الله بطاعته - بالرعاية والعطف، يواصل الوفادة إليهم كل عام، حتى جاوز الثمانين من عمره. فلما بلغ هذه السن أقعده الكبر، ثم ترك الشعر بعد ذلك وتفرغ للعبادة، حتى وافاه الأجل المحتوم في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 1363هـ بعد أن بلغ من العمر ثلاثة وتسعين عاماً، ممتعاً بكامل قواه من حواس وعقل، طول حياته. تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.(8) الحواشي: 1 - نقلت ترجمته ملخصة بتصرف بسيط من كتاب (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين) لجامعه ومحققه الشيخ سعد بن عبدالعزيز بن رويشد، المطبوع للمرة الرابعة في عام 1420هـ، من مطبوعات دار الشبل للنشر والتوزيع. 2 - آل عثيمين أسرة كريمة تسكن بلد الأفلاج والحوطة قديماً، وهي أسرة مبرزة في الشعر والعلم والزراعة والتجارة، فقد ظهر فيها عدد من الشعراء الشعبيين وبرز من بينهم شاعرنا بالشعر الفصيح، وفيهم طلبة علم رأيت بعضاً من تملكاتهم على الكتب المخطوطة، وفيهم من يسافر للأحساء وينقل البضائع بين الأحساء والحوطة مثل: ناصر ابن شاعرنا، وابن عمومته عبدالعزيز بن سعيد ابن عثيمين، ومنهم من عمل في الزراعة مثل : أسرة شاعرنا في ملكهم المشهور بنخل آل عثيمين بالبديعة بالحوطة، وأبناء عمومته آل طحنون ابن عثيمين في ملكهم المعروف بالبطين وسط الحوطة قديماً. 3 - أخواله هم أسرة آل نُجيِّم، تصغير (نُجَيم)، أسرة كريمة من أهل السلميَّة، حسب ما رواه لي الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عتيق - عافاه الله - وهو صهر لأسرة الشاعر. 4 - سكن الشاعر بعد استقراره في الحوطة في قصر أسرته بملكهم المشهور بنخل آل عثيمين العامر بالزراعة آنذاك، الواقع وسط البلد في حارة البديعة، يحد ملكهم من الشمال الأرض المسماة بأم الحب ملك الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ ومن الجنوب والغرب (القبلة) جفرة سعد بن عبدالمعين آل صفيان الملقب بأبي عيينة ومن الشرق الأرض المعروفة بأم شبيب ملك أسرة القعايرة، عاش فيه الشاعر إلى وفاته فيه، قطع نخل آل عثيمين بعد وفاة الشاعر بسنوات وصار منازل وطرق، واتخذ من قصر آل عثيمين بعد ذلك مقراً لأول مستوصف يفتتح بالحوطة عام 1380هـ، ومن قصر آخر مقراً لأول مركز إمارة موحد للحوطة عام 1369هـ في زمن الإمارة الأولى للأمير إبراهيم بن عبدالله بن عرفج. 5 - ذكر المؤرخ عبدالله بن عبدالعزيز الجذالين في كتابه (تاريخ الأفلاج وحضارتها) أن محمد بن عثيمين من أهل الحوطة أحد أمراء الأفلاج في عهد الدولة السعودية الثانية، ولعله شاعرنا وكان أميراً في فترة حكم الإمام فيصل أو ابنه الإمام عبدالله، قبل أن يحصل الخلاف بين الأخوين عبدالله وسعود ويترك الإمارة مغادراً مع شيخه الخرجي إلى قطر. 6 - يذكر الرواة أن الشاعر قد نظم الشعر الشعبي وكان مجيداً فيه، وله قصائد شعبية يحفظها البعض، ولم أعثر فيما اطلعت على شيء من شعره الشعبي سوى على قصيدته التي قالها في وقعة خنوُّر قريباً من أبوظبي عام 1304هـ بقيادة الشيخ قاسم بن ثاني حاكم قطر وحمل فيها الشاعر الراية، ووجدت منها 31 بيتاً يقول في مطلعها: النوم عاود للعيون السهارا والحر عاود ماكره عقب ما طار والنفس عقب مزاومتها المرارا ترعى زهر عشب من العز نوَّار إلى أن قال: ما نيب من اللي تاجروا بالعمارا قلطت يوم اللاش في الجيش قد خار هي بالهمم لا بالجسوم النظارا ما كل زند تقدحه يوري النار!.. الخ الأبيات. 7 - كان للشاعر العديد من الرفاق والأصدقاء في الحوطة جمع بينهم الشعر والأدب، أغلبهم من الشعراء والمعنيين بالأدب، مثل: أنيس المجالس الأديب عبدالله العجيري والشعراء الشعبيين مثل: محمد بن ناصر بن ربيعان، وعبدالمحسن السريبي، ومحمد بن كليب الملقب صفصوف، وغيرهم، مثل: راشد البوري، وكانوا يعقدون مجالس أدبية تعرف عندهم بالقهاوي، يديرون فيها فناجين القهوة، والعجيري يعمرها بما تحمله حافظته من الأدب والشعر والوعظ، وعندما لا يكون العجيري حاضراً فإنهم يقرأون في كتب الأدب، وبعدها يلقي فيها الشعراء ما نظموه من قصائد وردود وعلى رأسهم شاعرنا. 8 - من المرجح أن الشاعر قد دفن في مقبرة مسَلِّي وسط الحوطة، فسكان حارة البديعة يدفنون موتاهم فيها آنذاك، وقد رثاه أحد أصدقائه الشاعر والراوية الشعبي محمد بن ناصر آل ربيعان الملقب بابن أبي نجيح بقصيدة فصيحة سمعتها مسجلة بصوته. خطاب بخط ابن عثيمين بعثه للإمام عبدالرحمن ويشكر فيه الإمام على إرساله إليه تاريخ ابن خلكان خطاب تهنئة بخط ابن عثيمين أرسله إلى الملك عبدالعزيز يهنئه فيه بسلامة الوصول واجتماعه بوالده الإمام عبدالرحمن وابنه الملك سعود. للتواصل مع الكاتب
الرياض 11345 ص ب 380694 Al_mudhy@yahoo.com |
|
|
| |
|