فجأة ومن دون سابق إنذار أحسست برغبة شديدة لدراسة علم العروض والقافية على الرغم من كتابتي للشعر واطلاعي عليه منذ فترة ليست بالقصيرة، انطلقت إلى إحدى المكتبات المجاورة وحصلت على كتاب نفيس بهذا العلم وفوراً اتجهت به إلى المنزل وكأن بصحبتي صديقاً عزيزاً طال انتظاره.
في البداية استمتعت كثيراً بكيفية وضع علم العروض من قبل العالم الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي عاش بين عام (100 - 175هـ)، إذ استقرأ الشعر العربي فوجد أوزانه المستعملة أو بحوره خمسة عشر بحراً، ثم جاء الأخفش الأوسط فزاد عليها البحر المتدارك.
بعدها انتقلت إلى تفصيل البحور، حيث صدمت بصعوبتها وتعقيدها، فهي أشبه ما تكون بمعادلات رياضية مملة أكل عليها الدهر وشرب.
حينها سألت نفسي: هل جميع الشعراء على اطلاع ودراية بهذا العلم؟ وهل هم ملتزمون بهذه القواعد مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي؟
توجهت بسؤالي هذا إلى بعض الشعراء المميزين، وقد أكد لي معظمهم جهلهم بهذا العلم عدا بعض بحور الشعر المشهورة.
من هنا توصلت إلى حقيقة أن الشاعر الحقيقي هو من يصوغ شعره على السليقة دون التقيد بقواعد هذا العلم الممل الذي أصبح يدرس في كبريات جامعاتنا العربية بشرط أن يتحاشى الوقوع في عيوب الشعر المعروفة لسبب بسيط وهو أن الشعر هو من صنع علم العروض وليس العكس.
فمتى ما كتب الشاعر الموهوب بمشاعره الصادقة سيجد نفسه التزم ببحور الشعر وقواعده من حيث يعلم أو لا يعلم.
لا أنكر أن إتقان هذا العلم يضيف بعداً ثقافياً وأدبياً للشاعر، ولكنه لا يحسّن أداءه الشعري!!
فلو سألنا شعراء المعلقات الذين صاغوا أجمل ما كتبته العرب شعراً على الإطلاق لأبدوا جهلهم به؛ لأنه ببساطة لم يخلق في عصرهم، فمن الظلم أن نجعله يقيم الشعر الذي سبقه بآلاف السنين ومنه استقى أو بالأحرى أن الشعر هو الأب الروحي لعلم العروض والقافية، ولولا الشعر لم يكن هناك علم بهذا المسمى.
بقي لي أن أشير إلى تطابق كبير بين (طواريق) الشعر الشعبي وبحور الشعر العربي الفصيح فيما يتعلق في الوزن والقافية واللحن الموسيقي وتوالي الحروف الساكنة والمتحركة حتى ولو اختلفت مسميات البحور أو (الطواريق) على طريقة الشعر الشعبي.
وقفة