| |
لما هو آتً لكِ وحدكِ... د. خيرية إبراهيم السقاف
|
|
حالة ليست مدهشة يا سيدتي... واللوحة بين ناظري تتقاطر برائحة الدمار في بيت حانون... وهي ترسم على وجهها تاريخ نضال ضحيته شعب يا نوارة كانت ترتعد لقضيته الأصوات تجلجل خارج الصدور... ففرغت منها صفحات السطور... تذكرتك وأنت تلقمينني شرائح الخبز بشهد الحليب... تمزجين لقمتي بلعاب الحنين لأولئك الشهداء في فلسطين... حين كانت فلسطين جزءاً أخضر في لحمة الخارطة بعد لم تفرم في طاحونة الزمن وتستنزف حتى رمق الرشفة في الوريد... يا سيدتي الناس تأكل وتجلس لأفلام الحركة وكوميديا الفراغ... وتستعد لدعوة عشاء فاخر... وتعقد مواعيد لمراجعة حسابات الخسائر في سوق الأسهم... وتتبارى في كسب المزادات على اقتناء الملابس والأراضي وقطع العملات النادرة والبلورات الثمينة وفلسطين بين مطر الصيف وسحب الخريف تدك عظامها حتى النخاع... خفتت سيرتك عنها لأذني لكنها ارتفعت لأعلى طبقات صوتك في دخيلتي الآن الآن... فما الذي مسح طعم الأمة من الإحساس ومحا حروف أبجدية القضية في الصدور؟ العامرة بكل شيء إلا الالتفات وإلا الالتمام حول فلسطين؟ أذكر تلك الحرية لأجنحة حروفك يا سيدتي وأنت تجدلين مع ضفيرة الصباح ورغيف الفجر لوحة الحب تزخرفينها ببلاغة الجذب توطدينها بحس النبض... حتى لا أنسى كلماتك بصوتك النوراني أرددها في الذهاب والإياب (فلسطين ما بك حزينة لا فيك فرحة ولا فيك زينة اللهم اسحق الظالمين) فتفرحين حين أرددها بلا خطأ... بيت حانون من الذي يرى دماره ويقوى على أن يأوي لدار مرفهة وسقف مزيَّن بالثَّريات والنّجف...؟ بيت حانون من يدري عن شهدائه وفتاته الفدائية ويستطيع النظر لوجهه في المرآة وهو يمسح عنها العطر بمنديل رطب...؟ بيت حانون من يرى أطفاله وغربان البين تيتمهم وتأكل أرزاقهم وتنهش طمأنينتهم ويجرؤ على ارتشاف كأس العصير المبرد أو تناول قطعة كيك بحلوى أوروبية؟ بيت حانون من يشاهد تهتك وسائد الرضع والشيوخ والصبايا فيها، ويمكنه أن يسكن لأسِرَّة مراتبُها مصنوعة في أمريكا وأقمشة أغطيتها قادمة من مصانعها...؟ ليست بيت حانون الأولى وليست الأخيرة... ليست بدء تاريخ الكفاح الفلسطيني وليست الدرع الواقي... لكنها يا سيدتي منصة الشهادة لأخبرك عنها أن أهزوجتك لي حين المهد... ولقمتك لي عند العهد... وأملك ليوم مضيء لها في الغد... لن يكون وقد تشتت الناس... وفقدوا هوياتهم وضمرت ألسنتهم واندحرت أبجديتهم... وأنت نوارة لا تزالين تعدين لي لقمة الصباح وحليب الفجر... وتنشدين: (فلسطين ما بك حزينة) فإلامَ حزنك يا شهيدة التاريخ...؟
|
|
|
| |
|