عندما كانت الصفحات التي تعنى بالشعر تعد على الأصابع كان الشعر يعيش قمة توهجه ليس لأن الداخلين على خطه ممن لا علاقة لهم به، بل لأن المجال يضيق عن مثل هؤلاء لقلة المساحة المعطاة للشعر والتي تحتم المنافسة على الجيد لذا برز في تلك الفترة أسماء مازالت جيدة.
ووصلت الحال كما ذكرنا إلى أن جاء اليوم الذي جعل المطبوعات تتجاوز عدد المبدعين ومن سوء حظ الشعر وقارئه أن المساحة كلما اتسعت كثر الداخلون من المهرجين والدجالين والادعياء والخاوين فكرا وشعرا وضاع بينهم الصوت النقي الذي يطرب إذا شذا ويشجي إذا تأوه ويبهر إذا تحدث.
أما الحال اليوم فمن سيئ إلى أسوأ فالكل شاعر والكل صحفي والكل محرر والكل معد ومقدم وحتى المتلقي لم يسلم من عدوى تجربة المواهب المتعددة عل أحداها تصيب فيصبح مشهورا يشار إليه بالبنان ولو من قبل أحد أهل بيته لأن الجمهور مشغول عنه كل بإبداعه ورعاية موهبته.
وكأني بهم يرددون غزلا بالجمهور عله يستجيب:
مشغول وشاغلني
جنبي وبعيد عني
يا من يطمني
اني على باله
ولكن هيهات فالجمهور والجمهور الحقيقي الذي يفرز ويقيم وينتقي ليس لديه الوقت الكافي لقراءة ما يعتقد مسبقا أنه خواء لا يرتقي إلى أدنى مستويات الإبداع أما الغوغئي فمشغول بما هو أهم من شعر يسير برجل واحدة فالفضائيات والانترنت لم تدع له الوقت الذي يتابع من خلاله الرديء الذي يتناسب وفكره.
ومن هنا فإنني أوجهها نصيحة لمن لديه القدرة المادية على افتتاح قناة فضائية أن يوفر على نفسه العناء والخسارة التي لا عوض لها إلا بالتافه من الرسائل التي يبعثها المراهقون الذين سيصدون عنها بمجرد أن يلوح في الأفق ماهو أسرع وصولا إلى الانحطاط وحتى هذه وأقصد تجارة شريط الرسائل برغم ما ترمز إليه من عار على المحطة التي تتبناها إلا أنها غير مجدية فقد ذكر لي أحد الإخوة العاملين في إحدى تلك المحطات أن الشريط ربما كان مفتعلا في أغلب الرسائل ومكررا لمئات المرات خلال اليوم، ولأن كلفة الإنتاج التلفزيوني عالية جدا مقارنة مع إصدار مجلة فسيصيب البرامج ما أصاب الرسائل من التكرار والافتعال الذي سيؤدي بالمحطة وصاحبها إلى الإفلاس والفشل مع ما تسبب به من انحدار للأخلاق من خلال الرسائل وهنا تكون الخسارة مضاعفة حيث خسر الدنيا والآخرة وقفة لعلي أبو ماجد.