| |
وعلامات عادل الغضبان ومجلة الكتاب (3-4) عبد الفتاح أبو مدين
|
|
أما أهم الأبواب حقاً فهو باب النقد، ولعلّ المجلة في رأي صاحب دار المعارف، وفي رأي رئيس التحرير الأستاذ عادل الغضبان لم تُوجد إلا لأجله، وقد افتتح هذا الباب بنقدٍ لكتاب (الفاروق عمر) من تأليف الدكتور محمد حسين هيكل باشا.. وكاتبُ النقد هو العالم الشهير الشيخ أحمد شاكر، وطبيعة المؤلف غير طبيعة الناقد.. إذاً لا بد أن يحدث من الخِلاف ما يتوقّعه الملمّون برجال العصر واتجاهاتهم الفكرية، وأشهدُ وقد قرأت ما كتب الناقد الأستاذ أحمد شاكر أنه ظلم المنقود ظُلماً بيِّناً، حيث قال إن كتابة هيكل تلتزم نهجاً وسطاً بين كتب المتقدِّمين الرائعة، وبين القصص والروايات الغالي منها والرخيص. * مع أن أسلوب هيكل من النمط العالي الذي يجب أن يُحتذى ولا يختلف عن أسلوب المتقدِّمين، بل يزيد عنهم بما فتح الله به في هذا العصر، من أساليب الابتكار ورعاية المنهج العلمي الدقيق، ثم أخذ يتتبع نصوصاً تختلف فيها الآراء ليجزم بصحة ما يراه هو، وهو تحكُّم يخالف المنهج العلمي، إذ لكل وجهة هو موليها، ووجهُ التّحكم في هذا الاتجاه أن الناقد يفرض رواية ما من الروايات ويعدُّها هي الصحيحة، ويتجاهل ما عداها مما ثبت لدى المؤلف ترجيحه، والناقد المنصف عليه أن يبيِّن ضعف الرواية التي اختار المؤلف صوابها، لا أن يجزم بفسادها دون تدليل، وقد صادف هذا النقد ردّاً صاخباً، كتبه في العدد التالي الدكتور سيد نوفل، وكان حينئذٍ سكرتيراً للدكتور هيكل، وقد قال فيه بعد أن أوضح رسالة النقد، وكيف ينحرف عن الصواب وكيف يعتدل (إن هذا النقد تبدو فيه روح التّحامل والتّزمت والمغالطة والجرأة، كأن يقرر الكاتب أن كتاب الفاروق عمر جيد يُقرِّب البعيد للأوساط، ويقوم بين الرصين والمبتذل، فأي كلام هذا؟ إذا لم يكن البحث العلمي الكامل مِن سمات الدكتور هيكل فمِن سمات مَنْ في كُتَّاب الشرق العربي بعامة؟ أينقص منه أن يقدّمه في بيان رائع جميل وتصوير رائع، لقد كان أولى بالكاتب أن يُسائل نفسه: ماذا يكون خط العربية إذا خلت مكتبتُها من الإنتاج الخصب الحديث، ثم يكرّ الكاتب على النقدات الجريئة، بما شاء له بحثه أن يتجه إليه؟ ومهما يكن من أمر الناقد والمنقود، فقد فتح (الكتاب) مجالاً فسيحاً لنقد المؤلفات الحديثة على يد الكبار، وللتعقيب عليها، وهذا ما يجعل المؤلفين في حذرٍ من التّسرع، ويجعل النقّاد يراعون التثبُّت الدقيق! * والجولة تشتعل دائماً على صفحات الكتاب، وممن برزوا في النقد العلمي الأستاذ إسماعيل مظهر، حيث تعرَّض إلى كتب هامة في الفلسفة والاجتماع وعلم النفس، فوفّاها حقها من العناية الحصيفة، ولم يَفُتْْه أن يدل على أنماط من السلوك العلمي حذّر منه، فقد تعرَّض إلى نقد كتاب (المسؤولية والجزاء) للدكتور علي عبد الواحد وافي، وافتتح النقد بمؤاخذة المؤلف إذ أعلن في الصحف أنه عميد علم الاجتماع، وهذا في رأي الأستاذ مظهر اعتداء صارخ على حق الناس وحق النقاد، وزلّة نرجو ألا يرضى بها رئيس الجمعية الفلسفية أو أحد أعضائها، احتفاظاً لها بالوقار الذي يجب أن يظل قائماً في صدور الناس، كما يجب أن نعلم بأن النقد قد ردَّ للعقل اعتباره، وحرره من ظاهرة التأثر بالألقاب أو بمختلف النداءات التي يلجأ إليها أصحاب الحناجر القوية في مظاهرات الدهماء. وبين النقدات الصائبة التي أظهرها الأستاذ مظهر على صفحات مجلة الكتاب، ردُّه على من يدّعون أن الثقافة اليونانية هي أم الثقافات ولا أثر لما قبلها من ثقافات الشرق القديم، وهو رأي ردده الدكتور طه حسين، وبالغ فيه. * وجاء الدكتور توفيق الطويل فردّده في كتاب (الأحلام) الذي تعرَّض الأستاذ مظهر لنقده، فعجب كيف يشيع هذا الأمر لدى باحثي الشرق من العرب والمسلمين؟ وإذا كان باحثو الغرب يُرددون ذلك لأنهم يجحدون كل فضل سابق للشرق، ويَروْن أن أوروبا وحدها صاحبة الرقي الفكري في الحضارة والفلسفة والثقافة بنوع عام..! فلماذا يُحاول باحثو العرب أن يغمضوا عيونهم عن تراث الشرق الواضح في مصر والهند والعراق والصين، وهو من الذيوع، بحيث أقرَّ به المنصفون من الأوروبيين أنفسهم! والحق أن نقدات الأستاذ مظهر التي توالت على صفحات الكتاب كانت ذات دسم علمي رائع! ونتمنى أن تُجمع في كتاب.! * وقد تعرضت الدكتورة بنت الشاطئ إلى نقد كتب كثيرة لزملائها الجامعيين في مجلدات الكتاب المتوالية، وكانت تحمل مشرطاً حادّاً يسيّل الدم غزيراً، لكنها كانت تُفاجأ بردود ساخنة جبارة، وهذه المعارك بين النقّاد وبين الدكتورة بنت الشاطئ قد شغلت الذهن العربي القارئ شُغلاً كبيراً، وعادت بثمار مستطابة، لأنها حرَّكت الراكد وبعثت الميت إلى الحياة.! * أما النقد المجلجل الذي قامت به الدكتورة على صفحات المجلد الأول في نقدها للأستاذ أحمد حسن الزيات في كتابه (دفاع عن البلاغة)، فقد قالت عن الزيات إنه من المدرسة القديمة، وإنه يتكلَّف كثيراً من الجهد في صوغ عباراته وتأليف جمله، وله صبر عجيب على نحت الألفاظ، واختيارها مما يتجنَّب الناس، وهو من مدرسة تكره حرية التعبير وبساطة الأداء وقُرب المأخذ، ويشتد في طلب التركيب الضخم، ويتفنن في الألفاظ الموروثة عن أصائل البداة، والكتاب في جملته عرض عام لآراء في البلاغة والأدب، ولو أنصف الأستاذ لسمّى كتابه (مقالات في البلاغة)، لأن هذا الاسم أصدق على موضوعه، وكتاب الأستاذ لا يعرض موضوعاً واحداً يعالجه من جميع أطرافه، وإنما هو مقالات شتى تحمل طابع أسلوب المقالة الذي يتسم بالتّسرع والعجلة، ويعوزه التركيز والدقة والضبط والاطمئنان.! * ومضت الناقدة تضرب الأمثلة لما حددته من سمات الكتاب، وفيما قالته تكلُّف لا يُطاق، وقد ردَّ الأستاذ الزيات ردَّاً خرج على المعهود من سماحته ودماثته، فقال إن الغرض من كلامها تصغير الكتاب وتحقير الكاتب، وقد عمدت إلى المقالات الثلاث الأولى من دفاع عن البلاغة، فمزّقتها وفرّقتها، وسلَّت بعض الجمل من أخواتها سلاًّ، وحاولت أن تجعل لكل كلمة معنى مستقلاً لتستنتج منها ما حاولت أن تستنتج.
|
|
|
| |
|