| |
يارا نصف الحرب دهولة عبد الله بن بخيت
|
|
تمتد التكنولوجيا من المحراث البدائي الذي يسحبه الثور في العراق القديمة إلى الصور الساتلايتية التي تبثها الأقمار الصناعية عبر العالم، بل توغل في التاريخ إلى الحجر، وفي المستقبل إلى مراحل من التقدم المذهل لم يعلن عنها بعد، حتى أصبح الإنسان محاصراً وأسيراً للتقنيات. والشائع أن هذه التكنولوجيا، وخصوصاً الصادرة من أمريكا، تبدأ عسكرية تمولها وزارة الدفاع الأمريكية أو الاستخبارات الأمريكية، وتستخدم بشكل سري حتى يتم تطويرها وتجاوزها، عندها يفرج عنها وتصبح مبذولة للاستخدام المدني. إذا فهمنا هذا وآمنا به فإن وزارة الدفاع الأمريكية تملك وسائل مذهلة لا نعرف عنها شيئاً بعد، قد تصل في تطورها إلى ما نراه في مسلسل (ستار ترك)، ولكن الواقع لا يشي بذلك. كثير منا يتذكر البيان الذي ألقاه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في الأمم المتحدة وضمنه صوراً ساتلايتية عن مواقع أسلحة الدمار الشامل التي يطورها العراق. عندما نتأمل في الصور التي عرضها الوزير لا نرى أكثر من مستوى الصور التي نراها في جوجل. ظننت في البداية أن الأمريكان أخفوا الصور الدقيقة التفصيلية التي تملكها وكالة الاستخبارات وعرضوا الصور التي التقطها جوجل حفاظاً على السرية؛ فما نعرفه أن الأقمار الصناعية العسكرية تستطيع أن تلتقط صوراً للنملة وهي تتقلب في فراش الزوجية. ولكن ما قدّمه باول في الأمم المتحدة من مستوى تقني هو في الحقيقة مصداق للواقع؛ فأمريكا تخوض في العراق وفي أفغانستان حرباً من أشد حروبها قسوة وضراوة، حتى أصبح كل طموح أمريكا في هذين الحربين الاكتفاء من الغنيمة بالإياب. لأول مرة نرى جيشاً يخوض حرباً على أساس (كل يوم بيومه) كما يعيش الرجل المسن: لا خطة، لا هدف، ولا زمن محدّد. فكما كان يتخبط السياسيون الأمريكان للبحث عن سبب لغزو العراق جاء الدور على العسكريين في أرض المعركة، كل ضابط أمريكي في العراق لا يعرف ما هو دوره، ولماذا هو هنا، وما الذي عليه إنجازه، وأين يجد عدوه. الشيء الوحيد الواضح أنه أصبح هدفاً وعليه الدفاع عن نفسه، حتى صرّح يوماً السيد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي عندما طلب منه زيادة عدد الجنود في العراق بقوله: إن هذا سوف يزيد عدد الأهداف الأمريكية التي يريدها الإرهابيون؛ فالعدد الموجود في العراق هو العدد المثالي؛ لأنه تكوّن بالصدفة، لا أحد يتحمل مسؤولية تحديده، وعليه أصبح معدل الجنود الذي يسقطون صرعى هو العدد المسموح به والمقبول. وكما تفضح حرب العراق مسألة التكنولوجيا السرية التي تملكها وزارة الدفاع الأمريكية فهي تفضح أيضاً أسطورة وكالة الاستخبارات السي آي إيه. الحرب في العراق تقوم على المعلومة، على حرب ضد عصابات في وسط شعب تم تجويعه وتخويفه وتحطيمه ليصبح لقمة سائغة لأجهزة المخابرات. والسي آي إيه هي أقوى وأثرى جهاز استخبارات على مستوى العالم، جهاز أسطوري بكل المقاييس. لكن هذه الأسطورة تتوقف عن العمل عندما تأتي الحاجة إليها. حرب أفغانستان وحرب العراق ومطاردة ابن لادن والحرب على حماس وحزب الله كلها حروب يفترض أن تبدأ وتنتهي بقوة المخابرات. لكننا لاحظنا أن إسرائيل حقّقت مكاسبها السياسية بشن الغارات الوحشية على المدنيين والبنى التحتية دون أن نجد أي عون من السي آي إيه والموساد، وكأن هذين الجهازين غير حاضرين في المعركة. الحقيقة أسطورة التكنولوجيا التي تصوّر النملة لا نراها تنفع أمريكا أو إسرائيل في حروبهما. صدق المثل الشعبي الذي يقول: نصف الحرب دهولة.
|
|
|
| |
|