قال لي صاحبي: كلما قرأت التقارير السياسية والعسكرية التي تنشر في كثير من الصحف والمجلات الغربية في أمريكا وأوروبا شعرت بالأزمة الحقيقية التي تعيشها الدول العظمى التي اعتمدت الحروب والاحتلال أسلوباً جديداً للتعامل مع عالمنا الإسلامي في الفترة الأخيرة، وكلما شاهدت بعض البرامج السياسية الجادة التي تُعرض في القنوات الفضائية الأمريكية والبريطانية وقنوات غيرهما من الدول الأوروبية، أيقنت أنَّ أمريكا وبريطانيا قد وقعتا في مستنقع آسنٍ من الهزيمة بعد غزوهما مع بعض المتحالفين لأفغانستان والعراق، وأن الساحة العراقية قد أصبحت ساحة حرب استنزافية كبرى لن تصمد فيها أمريكا ولا بريطانيا طويلاً، وحينما أستمع إلى آراء كبار الساسة والمفكرين الأمريكان والبريطانيين في هذه الحرب الظالمة التي شنتها أمريكا وأعوانها على العراق، أشعر بأن ناقوس الخطر يدقُّ، وأن الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني قد خاضا حرباً خاسرةً مهما كان استعراض مظاهر القوة منهما، ومهما كان التزويق الإعلامي المصاحب لحملتهما قوياً وكبيراً.
أمريكا تصطدم بالواقع العراقي والأفغاني، كما يصطدم الثور القوي بالصخرة التي لا يحسب حساباً لقوَّتها وقسوتها.
ورئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا يعيشان أسوأ حالات حكمهما، اضطراباً، وانهزاماً أخلاقياً، وانخفاضاً للشعبية، هذه حقيقة تطرحها معظم الوسائل الإعلامية الغربية في أمريكا وغيرها من الدول الغربية، وتناقشها مناقشات معلنة أمام ملايين المشاهدين وتقدِّم من الوثائق، والتقارير، والصور ما يؤكدها، حتى لَيُخَيَّلُ إليَّ وأنا أسمع ذلك وأشاهده وأقرؤه، أنَّ أمريكا وبريطانيا سيعلنان الانسحاب من أفغانستان والعراق فوراً هَرَباً من الحالة السيئة النفسية والعسكرية التي يعاني منها ضباط الدولتين وجنودهما.
ولكنَّ الذي يثير دهشتي، أنني ما أكاد أصل إلى هذا التخيُّل حتى أصدم بخطاب أو تصريح للرئيس الأمريكي أو رئيس الوزراء البريطاني يؤكد بقاء جيوشهما في العراق، ويعبِّر عن سيطرة الدولتين على الأوضاع فيه، فأين تقع الحقيقة يا تُرى؟ وكيف أحكم على الأوضاع؟ وكيف أكوِّن الشعور بالأمان على نفسي ومستقبلي في أرض يرتكب فيها المحتلّ أسوأ الجرائم، وأفظع أساليب القتل والتشويه؟ ومن هو الأجدر بالتصديق، أهي تلك التقارير المنهمرة كالمطر الغزير مؤكدة هزيمة وفشل الدولتين، أم تلك التصريحات المتكررة، والخطب المتتالية من الرئيسين الأمريكي والبريطاني التي تؤكد إيجابية نتائج الغزو، كما تؤكد العزم على البقاء وعدم الرحيل؟؟!
قلت لصاحبي: أما ما ذكرته من الآراء والتقارير فهو صحيح، وهو تصوير حقيقي للواقع المعاش، وهو بيان لما يتم كتمه من قبل مخابرات البلاد المتورطة في العراق وأفغانستان، وأما ما ذكرته من تعارض وتناقض الموقف حينما نرى الرئيس الأمريكي - مثلاً - يحاول أن يؤكد غير الحقيقة، فإن ذلك من قبيل الاستهلاك الإعلامي، والترويج لمعلومات تثبِّط همَّة الإنسان المسلم، وتشعره باليأس والقنوط.
إن الدول المعتدية تتهاوى، ولكنَّ كيانها الضخم يؤخِّر زمن هذا التَّهاوي، وإني لأراه رأي العين في القريب العاجل؛ لأن سنن الله الكونية لا تتغيَّر.. وإنَّ سياسة رؤساء الدول الكبرى التي جنحت إلى العنف لتؤكد أن نهايتهم ليست بعيدة، والله بكل شيء محيط.
إشارة
