| |
عمود أنت عبقرية الوسط م. عبد المحسن بن عبد الله الماضي
|
|
(الوسط أو التوسط) يؤدي إلى حياة أكثر عقلاً وأملاً ورونقاً وجمالاً.. فالوسط أو التوسط بشكل عام هو الأفضل في الفكر.. والعمل.. والكلام.. والحب.. والحجم.. والمقاس.. والنوم.. والمشي.. والركوب.. والثراء.. والقوام.. والسلوك.. وفي أي شيء.. وفي كل شيء متى ما كان موافقاً للمنطق والاعتدال. بداية من منظور إسلامي.. يعد الوضع (الوسط) هو الصفة المثلى للأمة الإسلامية التي أخرجها الله للناس فقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا }وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} والهون هنا يعني الوسط.. أي ما بين البطء والسرعة.. وقال تعالى أيضاً: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } فقد نصت الآية على الصلاة الوسطى وهي (صلاة العصر) كدليل على أفضلية الوسط.. كما ورد في القرآن الكريم وصف للوسطية مرة بالاستقامة { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ } حيث الاستقامة هي حالة الوسط بين اللامبالاة والطغيان.. وأخرى القوام حيث قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }. وفي السنة النبوية الشريفة وردت أحاديث كثيرة تدعو إلى انتهاج المنهج الوسط، وتشير إلى أن (خير الأمور الوسط).. كما وردت كلمات مثل اعدلوا وأقسطوا.. والعدل.. والقسط.. عدة مرات في القرآن وكلها تعني التوسط بين شططين. وكانت العرب إذا أرادت أن ترفع من شأن رجل أو جوهرة نادرة ثمينة أو أي شيء مهم وصفته بأنه (واسطة العقد). أما الحكمة الإنسانية فقد نصت على أن الفضيلة هي الوسط بين رذيلتين.. هما التهاون والغلو، أو الإفراط والتفريط.. أما القاموس العربي فقد عرف الوسط بالخيار. ولو نظرنا إلى (الوسط) مفهوماً ومعنى دينياً، واجتماعياً.. ومدنياً.. وعسكرياً.. وإنسانياً.. وحضارياً.. وروحانياً.. وزمانياً.. ومكانياً.. وفكرياً.. وعملياً.. لوجدنا أن (الوسط) يحوز على التفضيل والعناية والرعاية في كل شيء تقريباً.. في الأفكار والأقوال والأفعال والأحكام والأوزان والمقاسات والسرعات والانفعالات حتى النوايا الكامنة في أعماق الصدور. الوسط يمكن أن يحدد بوحدات القياس الطولية أو المربعة أو المكعبة أو الأوزان أو الكثافة أو درجة اللون، ويمكن أن يحدد بوحدات الثقافة أو الأخلاق أو العقل أو الحكمة.. لذا فالوسطية مسألة نسبية تنطلق من كل فرد بذاته بناء على وحدات القياس التي يختارها لتحديد الوسط الذي يراه.. وهذا جعل الوسط ذا ألوان متعددة ومقاسات متدرجة ومواقع واتجاهات مختلفة. إذاً الوسط شيء نسبي ومعيار مرن وكل من موقعه يدعي أنه في الوسط.. كما أن مصطلح الوسط كثيراً ما يكون مقبولاً ومبعث اعتزاز وفخر.. ففي أوروبا أحزاب سياسية عريقة تسمي نفسها الوسط.. أو وسط الوسط.. أو يمين الوسط.. أو يسار الوسط. هذا بالنسبة لموقعه أما ما يعنيه الوسط في النفس الإنسانية فهو في رأيي كالتالي: الوسط أخلاقياً تهمة مشينة.. والوسط عقلياً استهانة كبيرة.. والوسط جسدياً مقبول نفسياً.. وارتفاع نسبة الطبقة الوسطى اجتماعياً مطلوب رسمياً.. والوسط فكرياً مرحب به ثقافياً.. والوسط دينياً موجه إليه إلهياً. وهناك من يفضل تجاوز الوسطية إلى الزيادة في أمور معينة مثل العلم.. والمال.. والجمال.. والعقل.. والصحة.. والشهرة والنجاح.. وغير ذلك مما يطمح إليه الإنسان.. ويطلب منه المزيد.. ولا يقبل أن يكون وسطاً في كل ذلك.
|
|
|
| |
|