قال لي صاحبي: رأيتك احتفيت مع مَنِ احتفى بوثيقة مكة المكرمة التي وقَّعها في رمضان في مكة المكرمة عدد من ممثلي علماء السنة والشيعة في العراق، وقد عجبت لمثلك يحتفي بمثل هذه الوثيقة مع أنك على علمٍ بالتعقيد الكبير في الساحة العراقية، وبالأوضاع المتردِّية التي أشعلها المحتلُّ في العراق، وبالفتن الهوجاء التي يشعل نيرانها أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى في هذا البلد العربي المسلم الجريح.
لقد تغيَّب عن حضور اجتماع توقيع هذه الوثيقة كبار رجال الشيعة، وفي مقدمتهم (السيستاني) الذي لم يحضرها، ولم يبعث ممثلاً له لحضورها، كما لم يحضرها من جانب السنة إلا بعض الممثلين لهيئة العلماء المسلمين وبعض الشخصيات السنية، فكيف تحتفي بوثيقةٍ، هي في وادٍ وواقع العراق الدامي في وادٍ آخر؟
قلت لصاحبي: لقد نظرت إلى هذه الوثيقة من جوانب متعددة تجعل الاحتفاء بها موقفاً مهماً من كل إنسانٍ مسلم يريد أن يرى خيمة الأمن تظلِّل العراق الجريح، ومن تلك الجوانب:
1 - إنها وثيقة تدعو إلى تحقيق الأمن وحقن الدماء ووقف الدَّمار وهذا مطلبنا جميعاً.
2 - إنها كتبت في شهر رمضان المبارك، وفي العشر الأواخر منه فنالت بذلك شرف الزمان.
3 - إن الاجتماع لها كان في أطهر بقاع الأرض، في مكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام، فنالت بذلك شرف المكان.
4 - إنها ضمَّت - كما أشرت في مقالٍ سابق - بنوداً عشرةً مدعومة بشواهد واضحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فنالت بذلك شرف الفكرة والهدف.
لقد احتفيت بتلك الوثيقة وذكرت - أثناء احتفائي بها - أهمية أن تتحول بنودها إلى واقع معاش، وأشرت إلى أن المسؤولية الكبرى في تحقيقها تقع على عواتق مَنْ يريدون النجاة من لهب الأوضاع الدموية من أهل العراق، كما أشرت إلى أن هذه الوثيقة ستظل - رغم قيمتها الكبرى - حبراً على ورقٍ إذا لم تجد صدى في نفوس جميع الطوائف والفرق في بلاد الرافدين.
إذن، فإن الاحتفاء بالوثيقة موقف حضاري، والدعوة إلى احترام بنودها وتطبيقها دعوةٌ مشروعةٌ؛ لأن في تطبيقها خيراً للعراق وأهل العراق.
أما إذا كنت يا صاحبي قد أردت بكلامك هذا أن تذكِّرني بعدم احترام الوثيقة على أرض الواقع، وأن مذبحةً ذهب ضحيتها عدد كبير من الأبرياء قد جرت في اليوم التالي ليوم إعلان الوثيقة، فإني أؤكد لك أن هذا ما كنت أخشاه، ويخشاه كل غيورٍ على الإسلام والمسلمين، وعلى إخوته في العراق. لقد أكَّد الواقع العراقي أنه لا يزال مشتعلاً بنيرانٍ يزيدها أعداء العراق من المحتلين وعملائهم اشتعالاً، وأنه ما يزال في نكبةٍ كبرى بسبب وجود تلك القوى المدَّعية للديمقراطية التي صنعت في العراق ما لا يكاد يصدقه عقل بشر من الدَّمار والقتل والاعتداء على المساجد والمنازل والمصالح العامة.
وثيقة مكة وثيقة ممتازة، كتبت بعناية، وطرحت رأياً واضحاً ونادت الجميع إلى حقن الدِّماء، وتحقيق الأمن، فإذا لم تجد أثرها في الواقع العراقي فما أمامها وأمامنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.
إشارة