عجباً لإنسان هذه الأرض الذي تُدهش لعزيمته وإصراره العزائم، كيف لا وهو الذي تحدى أجداده من قبله شظف العيش والعطش وقلة الموارد والحيلة وشح الأمن الذي لا يتحقق معه حتى في أحسن الأحوال المعيشية أي إمكانية للحياة، فكان الخوف طوقاً يحاصر الصغير والكبير، ويفتك المرض والجهل والفقر والجوع بالأجسام والعقول.
ومن يتناول أقرب كتاب شعري لمن سبقونا بعقود يدرك أنه بخير، فالحديث عن شحذ الهمم وتربص الأعداء وعدد الجماجم وصليل السيوف ورائحة البارود والغدر والتربص والترصد والطيور والسباع التي كانت المستفيدة الوحيدة من كل هذا الخوف والإقدام، فأجساد الرجال وليمتها التي لا تنقطع.
أتذكر كل هذه المناظر التي تمر أمام الخيال وأحمد الله الذي منّ بفضله على هذه الأمة بالأمن والعدل والعلم ورغد العيش في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين أيدهما الله، وإخلاص الصادقين من أبناء الوطن الحبيب، وعندما أضع صور الأمس بجانب صور اليوم أكاد لا أصدق أن هذه الأرض الخضراء هي ذات الأرض التي كانت بالأمس موطن العطش واليباب.
مدننا الرائعة التي تسهر حتى الفجر إنما تمارس ذلك بتلقائية وفي نهاية رمضان الكريم كانت الأسواق في الثانية والثالثة بعد منتصف الليل تعج بالمتسوقين والبيع والشراء، هذه المدن هي ذاتها التي كانت تقفل بوابتها بعد مغيب الشمس وربما سهر الكثير من سكانها لا أمام شاشات الفضائيات بل أمام نافذة الخوف والترقب وانتظار الصباح الذي يقطع على الغدر طريق الوصول.
وحين أنظر هذه الأيام للألعاب النارية بألوانها الزاهية أتذكر حالة من يوقدون النار طوال ليلهم لئلا يؤخذوا على حين غرة، وقد رأيت بأم عيني أطفالاً ونساء بمفردهم لو خطر ببال ولّيهم أنهم ربما يتعرضون ولو بشكل بسيط إلى خطر لأقفل عليهم الباب وبقي بجانبهم.
وحين أهدى لي أحد موظفي أمانة مدينة الرياض كتيباً يضم فعاليات العيد من محاضرات وأمسيات ومهرجانات وبرامج متعددة كما يحدث في كل مدينة وقرية من أرض بلادي الغالية، أدركت أن الربيع ليس فقط ما تزدان به الأرض بعد المطر، بل هو مطر الأمن والطمأنينة التي تنبت الراحة والسكينة والفرح والغبطة ومن ثم الشعر الذي يلقيه الشعراء والشاعرات في أمسيات الوطن الشاعر.
وقفة لمقطع من قصيدة لي: