| |
وقفات كائنات مصقولة! سلوى أبو مدين
|
|
تحملنا الدنيا فوق بساطها الموشّى بالتعب والتعب، نعبر محطات الرتابة فيها. حين نتوقف عند محطة ما ونحدق تتضح معالم بعض النفوس المتشحة بالغبار، قد تكون مصقولة بمعدنٍ ثمين وربما غير ذلك. وقد تكون أقنعة تغطيها؛ لأننا نحيا في عصر الانقسام والانفراد والأنا والبحث عن الذات. كما بتنا لا ندرك ما يدور حولنا لانشغالنا بما لا يجدي وأقل وأرخص. تتراءى لنا الأقنعة حين تحاورك وتحاول فك رموزك وتقييمك؛ لأنهم جميعاً أصبحوا أفلاطون وربما أرسطو. فالفراغ يقتل شهوة الصمت.. فهم نيام في كهوف لا تنير الشمس عقلهم، ولا يستدلون بالنجم في مساراتهم ليهتدوا به، فتمضي حياتهم إلى عبثٍ، يبعثرون خطاهم إلى المجهول.. لأنهم في لحظات اعتقدوا أنهم أدركوا العالم بأكمله. من المؤسف أن نتظاهر بمعرفة كل شيءٍ، في حين أننا لا ندرك قيم أشياء قليلة! في حين نصف المعرفة أن نُقر بعدم معرفتنا.! وأتذكر هذه العبارات لجارسيا ماركيز الروائي والصحفي الكولومبي في وصيته الأخيرة حين كتب: (لن يتذكرك أحد بأفكارك التي لم تعبر عنها. كنت سأقيم الأشياء ليس وفقاً لقيمتها المادية، بل وفقاً لما تنطوي عليه من معانٍ. كنت سأنام أقلّ، وأحلم أكثر، في كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور، كنت سأسير بينما يتوقف الآخرون. أظل يقظاً بينما يخلد آخرون للنوم، كنت سأستمع بينما يتكلم الآخرون. كنت سأستمتع بآيس كريم لذيذ بطعم الشيكولاتة. لو أن الله أهداني بعض الوقت لأعيشه كنت سأرتدي البسيط من الثياب، كنت سأتمدد في الشمس تاركاً جسدي مكشوفاً بل وروحي أيضاً. يا إلهي... لو أن لي قليلاً من الوقت لكنت كتبت بعضاً مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس. كنت سأرسم على النجوم قصيدة (بنيدتي) وأحلام (فان جوج)، كنت سأنشد أغنية من أغاني (سرات) أهديها للقمر، لرويت الزهر بدمعي كي أشعر بألم أشواكه، وبقبلات أوراقه القرمزية. كنت سأمنح الطفل الصغير أجنحة وأتركه يتعلم وحده الطيران. كنت سأجعل المسنين يدركون أن تقدم العمر ليس هو الذي يجعلنا نموت، بل الموت الحقيقي هو النسيان. كم من الأشياء تعلمتها منك أيها الإنسان، تعلمت أننا جميعاً نريد أن نعيش في قمة الجبل، دون أن ندرك أن السعادة الحقيقية تكمن في تسلق هذا الجبل، تعلمت أنه حين يفتح الطفل المولود كفه لأول مرة تظل كف والده تعانق كفه إلى الأبد، تعلمت أنه ليس من حق الإنسان أن ينظر إلى الآخر من أعلى إلى أسفل، إلا إذا كان يساعده على النهوض، تعلمت منك هذه الأشياء الكثيرة، لكنها للأسف لن تفيدني؛ لأني عندما تعلمتها كنت أحتضر). مرفأ: متى ندرك قيمة الذات؟!
|
|
|
| |
|