| |
منطق الحراك الصحي وحركة المجتمع الإسلامي د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم
|
|
يمكن القول إنّ ثمة علاقة إيجابية طردية بين التغيُّر والاستقرار، بمعنى أنّ التغيُّر حقيقة مفروضة وحتمية على الكون نفسه وعلى جميع الكائنات الحية ومنها المجتمعات البشرية. فالتغيُّر قاعدة إنسانية وبيئية كانت وما زالت من قواعد الطبيعية وعلاقتها المباشرة بالحياة الإنسانية. من هنا، ولكون التغيُّر ضرورة حتمية لا مناص منها، فمن مصلحة الإنسان ولضمان وجوده في أفضل حال، ضرورة العمل على تفهم منطق التغيُّر ومعرفة توجُّه ومستوى التغيير والتأقلم مع ذلك الواقع. فهم التغيُّر يساعد على تقبُّله ومن ثم التأقلم معه بهدف الاندماج في حركة التغيير من خلال تفعيل سياسات التطوير الذاتي، بداية بمحاولة أولية جادة لفهم مصادر التغيُّر وحجم قوى التغيير، ومن ثم التعرُّف على مساره حتى يمكن التأثير في قوى التغيُّر بحيث يمكن أن تتلاءم مع واقع وحقائق ومتطلَّبات الذات الإنسانية وبيئتها واحتياجاتها، عوضاً عن أن تفرض قوى التغيُّر على المجتمعات الإنسانية بالقوة من الخارج. السياسة الإنسانية الحكيمة هي التي تبدأ من البداية إلى النهاية ومن ثم تعمل من النهاية إلى البداية، ليس في حال الماضي، بمعنى العودة إلى الوراء، وإنّما التحرُّك من النهاية إلى بداية أخرى متواصلة تحافظ على البقاء في القمة وتمنع الانحدار، كما هو معروف في فقه صعود وانحدار الأمم. لهذا فإنّ السياسة التي عادة ما قد تكون واضحة في بداياتها، لا يمكن أن تصبح غامضة في نهايتها، والعكس أيضاً صحيح. بمعنى أنّ السياسية الغامضة في بدايتها لا يمكن أن تتضح في نهايتها، فالغموض في البداية يعني الغموض الأكثر حلكة في النهاية. محصلة الأمر أنّ التغيُّر من خلال الحوار الإسلامي - الإسلامي المتواصل، وتفعيل محاور التقاء الآراء المختلفة للمسلمين ومن غير المسلمين أيّاً كانت توجُّهاتها أو مصادرها، لا تقل أهمية عن تقبُّل وجهات النظر المختلفة وتشجيع تحريك الأفكار المتنوعة التي تُعد من أهم محرِّكات التغيُّر الذاتي الإيجابي للتفاعل مع قوى التغيُّر الطبيعي أو التغيُّر المفروض على الذات من البيئة الإنسانية الخارجية. إذ لا شك أنّ التغيُّر الذي ينبع من الذات ومن الاحتياجات الخاصة، ومن البيئة الداخلية بمختلف مكِّوناتها ومعوِّقاتها أفضل بكثير من التغيُّر المفاجئ سواء كان مفروضاً أو غير متوقع بسبب الخمول والتقاعس، أو كنتيجة للإهمال والركون ومن ثم الدعة والسكون التي تفضي جميعها إلى التقوقع ومن ثم التخلُّف. وطالما أنّ كينونة التغيُّر ومكوّنات لغته ومنطقه تستمد مقومات وجودها واستمرارية ذلك الوجود من قاعدة فرضها الله على كونه وخلقه فإنّ جميع العوامل الإنسانية والبيئية والمادية المختلفة التي تداخلت فيها حقائق التاريخ مع منطق الحاضر، والتي تفاعلت مع بعضها في بوتقة الجغرافيا، لا بدّ وأن تحافظ على توازنها من خلال الحفاظ على حركة فكرية وثقافية مستمرة دائبة من سياسات التطوير المتواصل بالاعتماد على وسيلة التقييم الوظيفي والعملي الأدائي والمهني المستمر. هذه التطورات تتطلّب، لضمان استمرار نجاحها، إجراء سلسلة متواصلة من عمليات المقارنة الكمية والنوعية الفاعلة لقياس مستوى أداء الحاضر وفعاليته بغية التوصل إلى قرار جماعي بضرورة التسريع في الحركة أو التفعيل للعمل ولمقومات الأداء. من هنا فإنّ أخطر ما يمكن أن يواجهه الإنسان والمؤسسات الإنسانية التي يعمل فيها هو خطر الجمود الفكري ووباء التقوقع الوظيفي الذي يحدث بفعل عامل الثبات المفتعل أو التثبيت المتعمّد الذي يحرص عليه بعض الأشخاص إمّا بفعل نهم الذات، أو بفعل رغبة وطمع الحرص على الموقع الذي يشغره، أو كنتيجة تخوُّفه على المكانة التي يحتلها في منظومة البيئة الوظيفية، سياسية كانت أم غير سياسية. لهذا يمكن القول إلى حد الجزم إنّ مشاكل اليوم نتاج لأخطاء الأمس، وأنّ استمرار مشاكل اليوم استمرار لتجاهل أخطاء الأمس وتراكماتها، وتُعد طبقاً لذلك التحدي الأخطر لواقع الغد. وهذا بالتحديد ما يمكن أن نتلمّسه من حصيلة التطورات السلبية في فكر البعض والتقوقع في ثقافة البعض الآخر الذين صمدوا في مواقعهم المتصلبة حتى بعد أن تلقّوا العديد من الصدمات من الثقافات الأخرى الأكثر تقدماً التي تُعد نتاجاً لبانوراما عقائدية مختلفة، بل وكانت متناقضة من أقصى اليمين إلى أقاصي اليسار .... بيْد أنّها وظّفت ذلك الاختلاف لمصلحة الجميع وفعلت من محاور التناقض ترياقاً ليستفيد منه الجميع. التشخيص الدقيق لحركة الذات كي تتواءم مع حركة المجتمع لا تقل أهمية عن مواءمة حركة المجتمع مع حركة الذات، فالتغيُّر بالتطوير لا يمكن أن ينجح إلاّ إذا ما توافقت نسبة الحركة بين الحركتين من خلال عملية هندسة سياسية هدفها تحريك الكل لا الجزء والتركيز على الحركة العامة لا الحركة الخاصة. التغيُّر بالتطوير قد يكون صعباً ولكنه ليس مستحيلاً، لكن لا بدّ من تقبُّل الحقائق كما هي والتعامل معها كما هي أيضاً، إذ من الصعب الالتفاف حول الحقائق أو لويها وتشويهها، أو حتى محاولة فبركتها، لأنّها حقائق مصيرية دامغة يستحيل إلغاؤها حتى وإن كان من الممكن تجاهلها والتغاضي عنها لفترة ما، ولكن قطعاً يستحيل تواصل ذلك التجاهل أو التغاضي إلى الأبد ... فذاك يعني تقبُّل الجمود الذي يفضي إلى الموت.
|
|
|
| |
|