| |
تردي الهيبة الأمريكية
|
|
الإخفاقات السياسية والعسكرية الأمريكية في العالم أضعفت كثيرا من هيبة أمريكا كدولة عظمى وحيدة في المجتمع الدولي. هذه الدولة التي انتصرت في حرب باردة وطويلة على عدوها الاتحاد السوفييتي وتربعت على عرش العالم. وأمام تردي هذه الهيبة فإما أن تقوم أمريكا بمراجعة نقدية حقيقية لسياساتها الخارجية، وإما أن تستمر في سياساتها الحالية وبالتالي قد تمنى بإخفاقات جديدة. هذا المأزق السياسي الأمريكي دفع بعض الخبراء في واشنطن إلى الإيمان بأنه لا يمكن استرداد هيبة بلادهم إلا بعمل عسكري جديد يكون ناجحا، ليمحو فشل واشنطن السياسي والعسكري في أكثر من صعيد، وخاصة في العراق، وبالتالي يجعل لواشنطن كلمة مسموعة في العالم. وعلى الرغم من خطورة هذا التفكير، إلا أنه يعبر عن الحيرة الأمريكية في البحث عن مخرج من هذا الطريق المسدود. ومما يزيد من تردي الهيبة الأمريكية هو أنها ووجهت بتحديات من قبل دول عدة وفي قضايا مختلفة. ففي آسيا اعتبرت التجربة النووية الأولى الناجحة لكوريا الشمالية ضربة موجعة لأمريكا، تشجع دولا أخرى على المضي قدما في برامجها النووية كما هو حاصل في الحالة الإيرانية، كما أن الوضع الأمني في أفغانستان لم يحسم، وما زالت الحرب هناك ما بين كر وفر بين القوات الدولية ومقاتلي طالبان، أما الوضع البالغ السوء في العراق، فإنه يعتبر من أكبر المشاريع الفاشلة للسياسة الأمريكية توازي فشلها في حرب فييتنام. بل إن الإرهاب -كما أفادت بعض التقارير الغربية- أصبح أشد خطرا مما كان عليه قبل احتلال العراق. وفي أمريكا الجنوبية ازداد عدد المناوئين لواشنطن الذين استطاعوا الوصول إلى سدة الحكم، مما يقلص النفوذ الأمريكي في تلك القارة، فضلا عن تدخلها في الصراعات الداخلية في بعض الدول الإفريقية مما خلق لها أعداء وعلى أكثر من صعيد. وليس من مصلحة أية دولة في العالم - خاصة إذا كانت دولة كبرى - أن تقلص من عدد أصدقائها وحلفائها؛ لأن ذلك لن يساهم في تحقيق مصالحها الوطنية، فعالم اليوم متشابك ومعقد سياسيا واقتصاديا لدرجة لا تستطيع معه أية دولة أن تحقق رفاهية لشعبها من دون أن تتعامل مع الدول الأخرى وفي أكثر من مجال. وهذا التعامل يستحيل في وسط عدائي. ومن جهة أخرى، فإن تردي الهيبة الأمريكية يلقي بظلاله على الداخل أيضا، فالحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس بوش قد يخسر الانتخابات التشريعية، وبالتالي، يفقد عددا كبيرا من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، وعندها سيواجه الرئيس بوش (كونجرس) ديمقراطيا لن يتساهل معه في تمرير مشروعاته، وبالتالي تدخل أمريكا في مأزق جديد، ولكن هذه المرة سيكون مأزقا محليا، يضاف إلى المآزق الخارجية.
|
|
|
| |
|