| |
الأربعاء 21 رمضان 1393هـ الموافق 17 أكتوبر 1973م العدد (732) كلمات للمعركة يكتبها: محمد محمود عبد الرزاق
|
|
الكلمة صوت أو أصوات اصطلح على معناها. بيد أن هذا الاصطلاح لم يكن وليد لحظة.. لم يأت اتفاقاً في لحظة من اللحظات، وإنما جاء بعد تطور طويل عبر عشرات عشرات السنين.. ومن خلال آلاف التجارب. فالكلمة كائن حي يولد ويتطور وقد يهمل. وهي كائن له تاريخ يبدأ من لحظة في الغيب تسبق الميلاد، ولا ينتهي بدفنها داخل القواميس. كلمة (بارودة) مثلاً.. ما هو شعورك عندما تقرأها في كتاب تاريخ مصري.. أو في قصة سورية.. أو موال فلسطيني؟ أنا شخصياً أعيش تاريخ شعبنا كله طوال العهود المملوكية والتركية بكفاحه وجراحه وآماله وآلامه من خلالها. هذا بالإضافة إلى شعور آخر خاص جداً، لأنه يذكّرني بجدتي لأمي رحمها الله، فقد كانت تطلق على بندقية أبي لفظة (بارودة)، ومع امتزاج الخاص بالعام.. أو الخاص العام بالعام الخاص أشعر وكأن جدتي قد خرجت لتوّها من داخل هذا التاريخ. الفعل (تدفق).. بصورته هذه المضارعة.. كان قبل (سبت النور) طاقة أخرى مختلفة تماماً عن طاقته الرائعة على تفجير الصور والخيالات كماً وكيفاً بعده. قواتنا تتدفق عبر الجسور.. قواتنا ما زالت تتدفق داخل سيناء.. كان قبل هذه البيانات العسكرية المواكبة لحرب التحرير شيء يتعلق بالماء.. أو بالدماء.. أو... فأصبح الآن لصيقاً بقواتنا عبر الجسور وداخل سيناء.. ووقفاً عليها.. لم أعد أقبل استعماله للدلالة على غير هذا المعنى. أضيق.. أنفر مما يحاولون ابتذاله في الأغراض اليومية العادية. أشعر بأنه يفقد طاقته الشعرية، وقدرته الفذة على الإيحاء بأغنى الدلالات.. وأجمل المعاني.. وأعمق الرموز. مذيعة قالت لأحد النجوم أمس: إن أخبارك الفنية تتدفق.. كرهتها.. أصبحت المسكينة ثقيلة الظل جداً على قلبي. لا ننكر أن من دلائل خيرات التدفق: الماء.. والدماء.. والأخبار.. و.. لكنه ليس ماء آخر غير ماء القناة.. ليست دماء أخرى غير دماء الشهداء ليست أخباراً بعيدة عن أخبار الزحف.
|
|
|
| |
|