| |
نوافذ التحنيط أميمة الخميس
|
|
دأبت الأوساط الفكرية لدينا على إعداد ملصقة أدبية تصنِّف وتفهرس بل وتقولب أي من يخطو بقلمه إلى ساحات التعبير، أو يرتقي منبراً، أو يعلن موقفاً يخص الشأن العام، فتغدو توجهاته الفكرية كأحد ملامح وجهه أو لون بشرته أو معالم هويته، وإن غادرها فيُعتبر هذا نوعاً من التزوير أو العمليات التجميلية التي لا تتوافق مع المباح أو النمط السائد، بينما على أرض الواقع نجد أن طبيعة الأفكار والمبادئ التبدُّل والتغيُّر، لأنها حتماً تستجيب للصيرورة الفكرية المتغيرة المتبدلة في الحياة من حولنا. ومن خلال ما سبق تصنع تلك الأسوار الشاهقة بين أحياء الكلام، وتكهرب بالأسلاك الشائكة التي تمنع مغامرات المعرفة التي تحاولها بعض الطروحات الفكرية. ولعل طبيعة (الفكر الأحادي) الذي يتجذَّر في تركيبتنا الثقافية والذي دأب على الالتفاف حول مقولة من لم (يكن معنا فهو ضدنا)، تلك المقولة المقصية المبعدة للمختلف تجعلنا دائماً في حالة استرابة من أي تحوُّل أو تبدُّل، أو حتى ليونة في بعض الشعارات التي كانت في السابق. وعلى سبيل المثال يكون للبعض في مسيرته الفكرية العديد من المحطات والوقفات التي شهدت بعض التحولات والمنعطفات المستجيبة لتطوره الفكري والنفسي أيضاً الملبية لطبيعة العالم من حوله الذي بدوره تنهمر مادته الزمنية بسرعات هائلة ومن لا يجاريها حتما سيدخل متحف ...... المومياوات. فهل تصبح كتبه ومقالاته أو أشرطته شاهد إدانة ضده أو له، هل إذا تجاوزها أو لنقل شذبها ورمم ضعفها وقصورها، وسد ثغراتها يزأر في وجهه سدنة التصنيف لكونه تجاوز خطوطاً حمراء لا يحق له المساس بها!! ولنعترف جميعنا شئنا أم أبينا بأن في مجتمعاتنا أن المفاتيح كلها ما برحت في (جيب الفقيه) ومن خلف عباءته تخرج الوصايا والتحليلات والشروط والحلول التي يستجيب لها الشارع وتنصاع لها المجاميع تماماً (على الأقل في المرحلة الراهنة). لذا إذا كان المناخ العام مناخاً صحياً يقبل تلاقح الأفكار وتعدد الفتاوى وانفتاح النوافذ والاستجابة لقانون الصيرورة الزمنية المتبدلة المتغيرة، وإذا كان المناخ نفسه يقبل التحولات الفكرية (للفقيه) نفسه تحت نفس السقف من التسامح والتفهم، فإننا بالتأكيد نكون قد خطونا خطوة إيجابية كبرى نحو ملامح فضاء متحضِّر تجري فيه إشاعة جو فكري تتلاقح وتثمر فيه الأفكار دون تأزمها وتشنجها تحت حواجز المنع والإقصاء والتصنيف. والإمام الشافعي - رحمه الله - تغيَّرت فتواه ما بين العراق ومصر، وعمل أهل العراق بالأولى واستجاب أهل مصر للثانية... لأن الحياة ذات طبيعة متعددة متلوِّنة بصورة عظيمة، ومن أراد إدراجها في لون واحد... فقد اعتقلها في قوالب التحنيط والمومياوات.
|
|
|
| |
|