| |
إجماع إسلامي على وثيقة مكة
|
|
في الوقت الذي كان يجتمع فيه جمع من علماء دين أجلاء من العراق الشقيق في مكة المكرمة ليمهروا بتوقيعاتهم على وثيقة لحقن الدماء كان خطباء الجمعة في العراق يشدون من أزر هذا النفر الكريم الذي أنجز، في الجوار المهيب للحرم المكي، على تلك الوثيقة التي تستهدف إنهاء الفتنة الطائفية ووضع حد للاقتتال بين المسلمين في العراق.. هذه الخطب التي انطلقت منوهة بالوثيقة وداعية إلى دعمها باعتبار أنها تشكل محورا أساسيا ومهما لإعادة اللحمة لأبناء الشعب العراقي، رافقتها أيضا إشادات من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وقياداته الدينية داعمة هذا التحرك، وكأنما الجميع كانوا ينتظرون بشغف تحركا من هذا النوع لإنقاذ العراق من تهور بعض بنيه وإعمالهم آلة القتل في بعضهم البعض، واعتبر علماء ثقاة الوثيقة بمثابة فتوى تحض على نبذ العنف والاقتتال الطائفي.. وفي الحقيقة فإن الوثيقة صادفت قبولا منقطع النظير، وخلقت رأيا عاما إسلاميا يدعمها ويشد من أزرها، فقد كانت الحاجة ماسة لتحرك من هذا القبيل، يتصدى للانفلات الواسع النطاق على الساحة العراقية، لدرجة بات معها من الصعب تبين ملامح ما يجري، فقد طبع القتل والقتل المضاد والانتقام الفوري المتجاوز للحد، الحياة في العراق، واستغل كثيرون هذه الوضعية الشائنة الفوضوية للصيد في الماء العكر وتوسيع الشقة خصوصا بين السنة والشيعة، وهم بذلك أرادوا للعراق أن يغرق في دماء أبنائه وبأيدي أبنائه.. وهكذا فإن لقاء مكة المكرمة الذي حظي بتشريف المكان والزمان، كونه يأتي في الأواخر العشر من رمضان الكريم، قد عكس إجماع الأمة الإسلامية ممثلة في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والذي بادر بتنظيم اللقاء، كما حظي الاجتماع بدعم كبار علماء العالم الإسلامي.. ومن المهم تكريس هذه المعطيات التي تمثلها الوثيقة فضلا عن هذا الدعم الداخلي من علماء العراق سنة وشيعة إلى جانب المساندة الإسلامية الدولية من أجل إحداث النقلة المأمولة في العراق، فهذه النقلة تتحقق أولا بجهد عراقي إسلامي عربي، في وقت سادت فيه شبه قناعة بأن العرب والمسلمين يتخلون عن العراق، حتى باتت القوى الدولية هي المهيمنة على كامل الوضع، والآن فإنه يمكن القول إن الأمور تعود إلى نصابها بفضل هذه المبادرة من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى جانب هذه الاستضافة الكريمة من المملكة لاجتماع علماء العراق. كل هذه المعطيات توفر نقلة مهمة في البحث عن تسوية، وذلك على الرغم من أن القائمين على المبادرة يحصرون تحركها على المجال الطائفي وتنقية الأجواء بين السنة والشيعة درءا للفتنة، غير أن ذلك سيفضي إلى المآلات السياسية الباحثة عن مخرج من الأزمة العراقية، فلو كتب لهذه المبادرة أن تمضي في طريقها المرسوم لها ووجدت الاستجابة من قبل الطوائف والتنظيمات والجماعات المسلحة التابعة لبعضها أو المتمسحة بالانتماء إلى هذه الطائفة أو تلك، فإن إنجازا كبيرا يكون قد تحقق، فالوثيقة ستثبت أنها نقطة تحول أساسية ومرجعية لا يمكن الاستغناء عنها في تلمس سبل التسوية والخروج من النفق المظلم.
|
|
|
| |
|