| |
دفق قلم أَمْنَعُ مِنْ عَنْز عبد الرحمن صالح العشماوي
|
|
قال لي صاحبي على الهاتف: أنا الآن في مجلس ذكر أحد الجالسين فيه مثلاً لفت إليه الأنظار وهو (فلان أَمْنَعُ من عَنْز) وحينما سئل عن معنى المثل قال: العنز يضرب بها المثل في المنعمة لأنها تتسلق الأماكن الوعرة، وترقى إلى أعالي الصخور فلا يصل إليها أحد، ولهذا ضرب بها المثل، وقابل بعض الحضور هذا الكلام بالسخرية، وقال أحدهم: المثل المعروف هو (أَمْنَعُ من عُقاب)، فالعُقاب قوية شديدة قادرة على التحليق في الأجواء البعيدة، أما العنز فهي أهون وأضعف من أن يُضرب بها المثل في المنعة. قلت: أما أمنع من عُقاب فهو مثل مشهور معروف، وهو مثل صحيح لا غبار عليه، وإنما أتوقف عند المثل الآخر لأن فيه غرابة، ولم أسمع به من قبل، ولا يمكن للعرب أن تضرب بالعنز المثل في المنعة والقوة، ووعدته بأن أرجع إلى أقرب كتاب لديَّ (مجمع الأمثال) للميداني فإن وجدت فيه شيئاً أخبرته. ورجعت إلى الكتاب فوجدت المثل فعلاً (أَمْنَعُ من عَنْز) ولكن له معنى يختلف اختلافاً كلياً عن المعنى الذي ذكره الرجل، وقد أورد الميداني قصة لهذا المثل تبين حقيقته، وتنفي أن تكون (العنز) وهي أنثى الماعز هي المقصودة هنا. يقول الميداني: عَنْزٌ: رجل من عاد، ذو شجاعةٍ ومنعةٍ في قومه ومن حديثه أنَّه أمْنَعُ عاديٍّ في زمانه، وكان له راع اسمه عُبيدان، يرعى ألف بقرة، وكان إذا أورد بقره لم يورد أحد من عاد حتى يفرغ، فعاش على هذه الحالة دهراً حتى أدرك لقمان بن عاد، وبرز لقمان بن عاد في قوة شديداً شجاعاً منيعاً ذا هيبة ومكانة، فوردت بقر لقمان على الماء فردها عبيدان عبد (عنز) فرجع راعي لقمان إليه وأخبره بما حدث، فخرج لقمان مغضباً وضرب عبيدان ورده عن الماء، فجاء إلى سيده (عنز) وأخبره بما صنع لقمان، فخرج في عدد من قومه مغضباً، وجمع لقمان عدداً من قومه، فحدثت بيهما معركة انتصر فيها لقمان وقومه، فارتفع شأنه، وبرز اسمه، وأصبح هو الذي يسقي أولاً ثم يأتي بعده راعي (عنز) ليسقي، ومضى الحال على هذه الصورة حتى مات (عنز) وهاجر لقمان إلى العماليق، وفي هذا يقول الشاعر: قد كان عنز بني عادٍ وأسرته في الناس أمنع من يمشي على قدم وعاش دهراً، إذا أبقاره وردت لم يقرب الماء يوم الورد ذو نسم هكذا أورد الميداني قصة هذا المثل، وهي كما نرى بعيدة كل البعد عن المعنى الذي ذكره ذلك الرجل في المجلس، ولو كان من رعاة الماعز لما فسَّر المثل بهذا التفسير، لأن الماعز مهما تسلقت قريبة المأخذ سهلة المنال. وحينما بلَّغت صاحبي بحقيقة المثل ضحك حتى أغرب في الضحك، وقال: سيرى صاحب العنز المنيعة كيف القِّنه درساً من السخرية لا ينساه. فقلت له: اتق الله ولا تسخر من أخيك المسلم، ولا تنس أنه كان سبباً في تعليمك عن هذا المثل، بما لم تكن تعلم. إشارة قد نستفيد من السحاب الظِلَ إن لم يَغْدُ ماطر
|
|
|
| |
|