مضى بنا شهر رمضان، أو مضينا به، أو مضى معنا ومضينا معه، فلقد مضى مباركاً، كما أتى مباركاً، ومضى مسرعاً، كما أتى مسرعاً، شهر كامل، ركضت به أيامه ولياليه ركضاً سريعاً، وركضت بنا معها في وقت قصير، حتى كأنَّ أوَّله قد التقى آخره لقاء المسلِّم بالمودِّع، ما كاد يتم تحيَّة اللقاء، حتى ردَّد تحيَّة الوَداع، يا تُرى ما بال قطار زماننا يزداد سرعةً عاماً بعد عام، حتى أصبح يسابق الرِّيح؟ وما بالنا لا نكاد نرى هلال الشهر يُهِلّ قوساً أبيضَ كالعرجون القديم، حتى نراه يغوص في ظلمة المغيب قوساً أبيض كالعرجون القديم.
سبحان الله العظيم، بالرغم من وسائل الاتصال والنقل السريع كلِّها، فإن أوقاتنا تتفلَّت من أيدينا، كما تتفلَّت الإبلُ من عُقلها، أو كما تتفلَّت الكلمات من ذاكرة متحدِّثٍ إلى من يحبُّ، فما يستطيع أن يلتقط لها صورة واضحةً تعبِّر عما في أعماقه من براكين المشاعر والأحاسيس.
في بداية شهرنا الحبيب، كنَّا نهنئ بعضنا بقدومه المبارك، وإطلالة وجهه الجميل الأخاذ، وها نحن في نهاية شهرنا الحبيب، نجمع بين لوعةٍ وداعٍ ثقيلٍ على مشاعرنا، نودِّع فيه حبيباً إلى قلوبنا، عزيزاً إلى نفوسنا، وبين فرحةِ لقاء جميل بعيدٍ جميل يبتسم لنا ابتسامة صديق يشاركنا مشاعر الفرحةِ بإكمال عبادة الصيام، ويفتح لنا قلبه، وراحة يديه مستبشراً بقدومنا من رحلة الصيام التي أسعدتنا وأمتعتنا، إلى واحة العيد المبارك التي تتألَّقُ جمالاً وجلالاً، وخصباً ونماءً.
تقبَّل الله منكم، كل عام وأنتم بخير، عيدكم مبارك، عاد عيدكم، عساكم من عوَّاده، عبارات متعددة مختلفة الصياغة، تدلُّ كلُّها على مناسبة جديدة، بعد مناسبة قديمة، عبارات تذكِّرنا بما بيننا من أواصر الدين، ووشائج القُرْبَى، وجسور الاخوَّة، تملأ قلوبنا بالسعادة التي تشوبها شوائب الإحساس بشهرٍ مضى يحمل ما قدَّمنا فيه من عبادة وذكر ودعاءٍ وتلاوة، وصدقة، وضيافةٍ وعطاء، فمن مكثرٍ في ذلك ومن مُقِل، ومن سابقٍ فيه، ومن لاحق، ومن مغتنمٍ للفرصة، ومن مفرِّطٍ فيها، وعند الله سبحانه وتعالى للجميع الثواب الذي يناسب ما قدَّم ولا يظلم ربك أحداً.
أيها الأحبة..
عاد عيدكم، وجدَّ على معاني الخير جديدكم، وقرُب على بساط السعادة بعيدكم.
عاد عيدكم بعد أن مضى شهركم، ورُفعَتْ أعمالكم، واستقرَّتْ في صحائفكم أعمالكم، عاد عيد فطركم المبارك، ميدان فرحٍ بإكمال عبادة، لا ميدان لعبٍ ولهو مقصودين لذاتهما، فإن العيدَ هو يوم الجوائز، اليوم الذي يفوز فيه من يفوز، ويتراجع مَنْ يتراجع، ويعلو مَنْ يعلو، ويهبط مَنْ يهبط، وإني لأرجو أن تكونوا من العايدين الفائزين الذين يقطفون في يوم العيد ألذَّ الثمار من الأشجار المباركة التي غرسوها صياماً وقياماً، وتلاوة ودعاءً، وصدقةً وبذلاً، وما عند الله خيرٌ وأبقى.
إشارة