| |
مركاز حسين علي حسين
|
|
سفرة وشاشة رمضان!! تعوّد الصائمون الخروج من منازلهم بعد العصر للترفيه ولقتل الروتين اليومي ولشراء أشياء منزلية كثيرة قد لا يحتاجون إليها أو لا يستخدمونها، ومع ذلك تجدهم يشترون. وأبرز هذه المشتريات الأطعمة، وعلى رأسها الفول والعصير والخبز والحلويات. هذا الصائم يتربع قبل الإفطار على سفرة تملأ المجلس، تضم كل ما لذّ وطاب وما لم يطب، وهو حالما يعلن الإفطار يمد يده فيأكل لقمة من هنا ولقمة من هنا والعديد من كؤوس اللبن والعصير وقطع الحلويات، ولا ينتهي الإفطار إلا وتبدأ المعاناة من سوء الهضم والحموضة وشغل الراس!. وبعد ذلك ترفع المائدة، فإذا ثلاثة أرباع الأكل لم يمسّ، ومنه ما كان محطّ أنظار الصائم قبل الإفطار فاشتراه وحرص على وضعه فوق السفرة، أين يذهب هذا الطعام؟ تشهد الإجابة عندما تنظر إلى أكياس النفايات المتخمة وهي ترمى في مقلب البلدية، فنحن نطبخ للشخص الواحد ما يكفي ثلاثة أشخاص، ونحن لا يلذ لنا الطبق إذا وضع أمامنا وبه كمية بسيطة من الأكل، فلا بد من أن يكون الطعام كثيراً حتى لو لم نأكل منه شيئاً. نقول ذلك ونفعله ونحن نعلم أن هناك أسراً لا تجد أمامها عند الإفطار إلا أقل القليل، وبعض هذه الأسر تتعفّف عن مدّ اليد، والذين لا يتعففون لا يقبلون طعاماً مدّت فيه يد، ما الذي يبقى إذنْ لنصون النعمة التي عملنا وعملنا لتتوفر لنا؟ الذي يبقى هو أن يعيش الموسر يوماً من أيام الفقراء أو محدودي الدخل كما قرّرت (أوبرا بونفيري)؛ فقد أحست على رغم ملايينها أنها خرجت من بيئة فقيرة، لكنها بكدها وثقافتها استطاعت أن تتبوأ القمة؛ قمة المال والشهرة، وحالما بلغت هذه المكانة بدأت في وضع برنامج صارم لمساعدة أهلها، وأول طريق المساعدة أن تعود إلى بيتها هناك حيث الفقراء والمهمشين لتعرف حاجتهم وحدود هذه الحاجة، لو جرّب كل جالس على سفرة عامرة خطوة (أوبرا بونفيري) لاقتصد واقتنى حاجته وما فاض عنه قدّم ثمنه لمن يحتاجه، وما أكثرهم خصوصاً في شهر رمضان. وأبقى مع رمضان للحديث عن أبرز علاقاته أو فعالياته، وأولها فيض المسلسلات التاريخية والفكاهية وتلك التي تتعلق بالمسابقات، وقد حرصت على اختيار أربع أو خمس مسلسلات أشاهدها غالباً في فترة الظهيرة، لكنني لو قيّمت هذه المسلسلات التي أشاهدها لن أخرج سوى بمسلسلين: (طاش ما طاش) و(أبناء هارون الرشيد). فالأول مؤشر على تنامي وعينا بحق تصويب الأخطاء، وما أكثرها وأقلّ حرصنا أو خوفنا من تقويمها، مع أن مسيرة البشرية كلها عبارة عن سلسلة من النجاح والإخفاقات، ولولا النجاح ما ظهرت الإخفاقات، لكننا تعوّدنا على الكتمان أو تصويب الأخطاء بواسطة الأذن، مع أن هذه الأخطاء قد تكون ارتكبت بحق الجميع، ولا مجال لتصويبها إلا في حضور الجميع، فلماذا الخوف ولماذا النقمة على مَن أهدى إلينا عيوبنا؟ إن الوزير في العديد من الدول عندما يرتكب في وزارته خطأً يكون له تأثير على أمن أو اقتصاد البلد يخرج علينا معلناً استقالته ووضع نفسه بين يدي العدالة، وبعض هؤلاء الوزراء يعمدون إلى الانتحار لعلهم يكفرون عن خطأ ارتكبه موظف في وزارته، مثل هذه الدول لا ترحم من يرتكب خطأً مهما كان موقعه، والإسلام نفسه لم يُبح الإعدام والجلد والتعزير والسجن إلا لمن يرتكب خطأً، وكل مسؤول من المفروض أن يجلس على كرسيه للإنجاز وليس لارتكاب الأخطاء، ثم يأتي من يقول: إن مسلسلاً مثل (طاش ما طاش) قال ما لم يصحّ قوله.. وكأننا نعطي لمرتكبي الأخطاء فرصة لارتكاب المزيد منها..! وما حدث مع (طاش ما طاش) حدث مع مسلسل (أبناء هارون الرشيد)؛ حيث كثرت الاحتجاجات على إخراج مرحلة هارون الرشيد بهذه الصورة، مع أن التاريخ يقول ذلك وأكثر منه، لكننا ننسى، وإن لم ننسَ فإن هناك تياراً لا يريد أن يسمع أو يرى أو يقرأ شيئاً عن أخطاء شخصيات ودول سادت ثم اختفت، ولم يبقَ ما يدلّنا عليها سوى ما كتب عنها قديماً وحديثاً، وفيما كتب الكثير من الصدق والكثير من التدليس، وبعض هذا التدليس كتب بعلم ونظر تلك الشخصيات لتلميع الصورة وتعزيز المكانة.. فلماذا نغضب عندما يعرض علينا تاريخنا بخيره وشره؟! فالتاريخ كما أسلفنا أشبه بالمرآة التي تعكس ما هو أمامها من الصالح والطالح، وعلينا في النهاية أن نستفيد من كل ذلك!!
ف: 4533173
|
|
|
| |
|