| |
يارا الفكر التحريمي أساس الفكر التكفيري عبدالله بن بخيت
|
|
في مجلة (التخصصي) التي يصدرها مستشفى الملك فيصل التخصصي قرأتُ مقالاً في غاية الأهمية للدكتور عبد الله السماري (طبيب أعصاب) يطرح فيه إشكالية خطيرة في طبيعتها وفي تأثيرها على نهضة المملكة وأمنها. يشير الدكتور إلى بعض الفتاوى التي طُرحت مؤخراً ويطالب فيها أصحابها بفصل تعليم البنات عن الأولاد في كليات الطب بذريعة الاختلاط وتكشّف الجنسين المحرم لبعضهما البعض وتحريم دراسة كل جنس للجنس الآخر. تأتي هذه الفتاوى ضمن سلسلة واسعة من الفتاوى التي قادت البلاد إلى ما نحن عليه، يتقدمها في وقتنا الحالي الفكر التكفيري. ربما غطّى الفكر التكفيري على أفكار أخرى أكثر خطراً وأشد فتكاً، بل تعدّ الحاضن الأساسي لنمو الفكر التكفيري نفسه، وأهمها الفكر التحريمي. لا تكمن خطورة هذا الفكر في المتعصبين، ولكن في توريط المشايخ الكبار واستغلالهم لترويج هذا الفكر بين الناس. أيقظني مقال الدكتور عبد الله على فتوى نموذجية لهذا الفكر. المصيبة لا تكمن في ذات الفتوى، ولكن في الصيغة التي تُعرض بها القضية على الشيخ لاستصدار الفتوى. فالمتعصبون يطرحون على الشيخ سؤالاً يتضمن في داخله الجواب؛ حيث لا يملك الشيخ سوى أن يوافقهم على رأيهم. قام مجموعة من الأطباء الذين ينتمون إلى الفكر التحريمي بطرح سؤال هو في الواقع جواب. سؤال فيه تلاعب بالمعلومات حتى يضمنوا الجواب الذي يريدونه لا الحقيقة الفقهية التي هي مطلب الجميع؛ مما دفع اللجنة الدائمة للإفتاء إلى إصدار الفتوى التي يريدها هؤلاء. تذكّرنا هذه الفتوى بكثير من الفتاوى التحريمية؛ كتحريم السفر وتحريم مشاهدة القنوات الفضائية، ولكن أشهرها الفتاوى التي صدرت من بعض المشايخ بخصوص بعض الأعمال التلفزيونية والمسلسلات. عندما تقرأ بعض الأسئلة التي تطرح على المشايخ ستلاحظ أن الشيخ لا يجيب عن سؤال، بل هو في الواقع يستمع إلى رأي لا يمكن إلا أن يوافق عليه. لنأخذ السؤال التالي كمثال: (ما حكم مشاهدة المسلسلات التلفزيونية المنتشرة هذه الأيام التي تروّج للتبرج والعري وتفتن الشباب وتفسد النساء؛ مثل مسلسل طاش ما طاش وغيره من المسلسلات المنتشرة في الفضائيات؟) انتهى السؤال. هل يستطيع أي شيخ أن يفتي بغير التحريم. سؤال كهذا لا يحتاج إلى فتوى؛ لأنه يتضمن الفتوى في داخله، حتى الصبي الصغير طالب المتوسطة سوف يفتي بتحريم هذه المسلسلات. نفس الشيء ينطبق على كثير من مجالات الحياة، وأقربها ما أشار إليه الدكتور السماري في مقاله. عندما تتابع برامج الفتاوى ستلاحظ أن هناك عدداً كبيراً من الأسئلة هي ليست في الواقع أسئلة وإنما أجوبة في داخل أسئلة المطلوب فقط أن يمهرها الشيخ بخاتمه، وفي النهاية توريط الجهات العلمية أو المشايخ المعتبرين لترويج أفكار معينة. الفكر التحريمي هو الأساس الذي يقوم عليه الفكر التكفيري؛ فهو يبدأ بتهيئة المناخ لتكفير المجتمع، فهؤلاء الذين يسعون إلى استصدار الفتاوى التي تحرّم الحياة الحديثة هم في الواقع يريدون أن ينتهي الأمر بتكفير المجتمع وتأكيد خروجه عن الدين. عندما يزرعون فكرة تحريم الدراسة الطبية وتحريم المسلسلات التلفزيونية والفضائيات وتحريم السفر إلى الخارج وتحريم قراءة الكتب وتحريم عمل المرأة وتحريم تحريم.. إلخ، في النهاية يخلقون صورة سلبية عن الدولة وعن توجُّهاتها، ويخلقون صورة سلبية عن المجتمع وفعالياته المختلفة، ويخلقون صورة سلبية عن المفكرين والأدباء والكتّاب والصحفيين، هكذا يصبح المجتمع في صورة الخارج عن خارج القيم الإسلامية، الأمر الذي يوجب تكفيره ثم قتاله.
فاكس: 4702164 YARA4U2@HOTMAIL.COM
|
|
|
| |
|