| |
الرئة الثالثة من الإفراط والتفريط..ما قتل! عبدالرحمن بن محمد السدحان
|
|
* الإفْراطُ والتفْريطُ.. داءان يفسدان الطبعَ والتطبّعَ.. ويعطّلان قدرةَ المرء على التكيّفِ السويّ مع تداعيات الحياة.. وهواجسِ الفطرة السليمة، قولاً وعملاً.. * والمرءُ المصابُ بأيٍّ من هذيْن الداءيْن، بلاء لنفسه.. وابتلاء لغيره من البشر الذين لا ذنبَ لهم في فساد طبعه.. واعتلال توازنه.. إفراطاً أو تفريطاً! وهو (لغز) محيِّر لخبراء النفس والتربية والاجتماع.. بعضهم يتعامل معه كحالة مرضية إنقاذاً لصاحبها من نفسه.. وصيانةً للآخرين من أذاه، خصوصاً أولئك المقرَّبون منه.. أو الملتصقُون به في بيئة المنزل أو العمل.. ونحو ذلك. * لستُ معنياً في هذا الصدد بتحليل (أحادية الطبع) هذه.. بحثاً عن جذورها وأسبابها.. وظروفِ نشأتها، فتلك مهمةُ الباحثين المتخصصين ذوي الباع المتين في علوم النفس والتربية والاجتماع.. لكنني أودُّ أن أدلّلَ على شيوعِ هذه الظاهرة المرَضِيّة بأمثلةٍ أستلهمُها من نسيج حيَاتِنا المعاصرة. فمثلاً: * الإفراطُ في تناول الطعام بحثاً عن (السمنة) لا يقلّ ضيْراً عن الحرمان منه طمعاً في (الرشاقة). كلاهما يُجهدان خلايا البدن، ويؤديان بصاحبه إلى شيء من إعياءٍ لا يستوي معه قولٌ ولا عملٌ! * والإفراط في الحبِّ.. يُصادر من صاحبه القدرةَ على الحبِّ.. ويوغرُ صدره بعواطفَ متضاربة بدْءاً بالغيرة وانتهاء بالشكّ الذي إن اشتدَّ تحول إلى نوع من (الدمار الشامل) له ولمنْ يحبّ، وقد قرأنا وشاهدنا قبل بضع سنين مأساةَ الرياضي الأمريكي، الذائع الصيت (أو جي سيمبسون)، المتهم بقتل مطلّقتِه وصاحبها.. تقول الأحداث إنه كان يحبُّ زوجته حباً جماً أعمَى بصرَه وبصيرتَه.. فظلَّ يطاردُها حتى بعد أن فصل بينهما (أبغضُ الحلال).. وقد شهدت علاقتُهما توتراً مستطيراً.. فلما اتخذت مطلقته لها (خليلاً) كشأن نساء تلك الديار.. لم يعد في الأرض متّسعٌ لغضب سيمبسون.. فقرَّر أن يهدمَ (معبدَ حبه) عليه.. وعلى مَنْ أحب.. وكان من أمره ما كان، وذُهِلَ كثيرون داخل أمريكا وخارجها! * وهناك المفْرِطون في مثاليّات العمل وأخلاقياته على نحو يضرُّهُم.. ويضيرُ غيرَهم.. فهم لا يرضون عن شيء ولا حتى عن أنفسهم، لأنهم ينشدُون (الكمال).. في كلِّ شيء، ويحتقرُون الخطأَ وفاعلَه إلى درجة من الجنون.. وينسون أن الكمال للخالق لا المخلوق.. وأن (الخطأ) مدرسة يتعلم منها وفيها المرء سبل الصواب.. ونقيضهم أولئك الذين يُفرِّطون (بتشديد الراء مع كسرها) في أداء ما كلّفوا به.. حتى لا يبقى لهم من الإرادة أو الوقت أو العزم ما يؤدُّون به الحد الأدنى ممّا كلِّفوا به.. فيكون نصيبُهم الفشلَ. ومن عَجبٍ أنّ الكارهَ للخطأ، طلباً للكمال.. والمتساهلَ فيه، زُهْداً في الفوز.. يردان موردَ الفشل.. في خاتمة المطاف!! * إذن.. فخيرُ الأمور أوسطُها.. لا إفراط.. يُعمي البصيرةَ.. ولا تفريط. يهمِّش الإرادة، والمرءُ السوي هو ذلك الذي يعمل.. بلا قنوط.. ولا غرور.. ولا إسراف، وهو ذلك المقْتَصِدُ.. متى أحبَّ أو كَرِه، ومتى أكَلَ.. أو لبسَ، ومتى رضيَ أو غَضبَ. وبدون هذا التوازن.. تكون الحياة.. جمرةً من جحيم!
|
|
|
| |
|