| |
العمالة.. أو الخير الذي لا بد منه مع أخذ الحيطة والحذر محمد علي الجارالله*
|
|
حقيقة نحن في هذه البلاد الخيرة التي هبت لتلحق بركب البلاد الأخرى، في هذا العالم المترامي الأطراف والمزدهر بشتى مناحي التطورات والرقي، همت بلادنا وهي العريقة في الأصل والكريمة المحتد لتلحق بركب التطور والعمران وتتماشى مع ما يمليه العصر وحاجة الوطن والمواطن والزائر والقادم للعمل والمستثمر والحاج والمعتمر، لتلحق بركب ومواكب التطور وبزمن قياسي يحثها في ذلك إرادة الله قبل كل شيء، وما أفاء الله به عليها من النعم لتستوعب كل المعطيات وتفي بكل الالتزامات وتلاحق المخرجات وتكون أهلاً لكل المستجدات. بلادنا غنية وقبل كل شيء بإيمانها وعقيدتها وقيادتها ورجالها المخلصين وأبنائها وشبابها وشاباتها الذين تشرئب أعناقهم لتعانق ناطحات السحاب التي بدت تنتشر في مختلف أنحاء هذا الوطن الخيّر المعطاء، ولكنها كغيرها من بلاد الأمم الأخرى لابد وأن تستعين بالآخرين لتنجز ما عقدت عليه العزم من خطط النمو والتطور، فهناك مدن صناعية، وهناك مدن سكنية، وأخرى اقتصادية ورابعة علمية وخامسة حضارية وتراثية وسياحية، وغيرها من احتياجات الحاضر والمستقبل الذي يسير بخطى حثيثة ليضعنا في مصاف الأمم الراقية جداً من حيث المظهر والمخبر إن شاء الله. وهذا لا يتأتى إلا بسواعد قوية وخبرات فنية وعلمية، وأمام هذه الأهداف والتطلعات وجدنا أنه لابد من استقدام اليد العاملة الفنية والمدربة من خارج البلاد شبابا قادرا على الإنجاز والعمل في حدود النظام والعقود المبرمة للأغراض المختلفة. وليس بخافٍ على أحد أن هذا الزخم من العمالة التي تملأ أرجاء بلادنا بحجة العمل وتلبية متطلبات خططنا وتطلعاتنا تزداد وتزداد كل يوم بل كل ساعة وليس هناك من ضرر في ذلك طالما تسير الأمور في أطرها الصحيحة وضمن الإدارة والتعليمات الصريحة، ولكن الأمر أصبح مغايرا للهدف منه وظهرت بعض الشوائب القاتلة والمميتة والضارة بصورة سيئة للغاية، فقد اتجه بعض الوافدين للعمل إلى ارتكاب خطايا تضر بهذا المجتمع الطيب المسالم الناهض فاستغلوا الطيبة وحسن النية وسذاجة البعض لينشروا فظائعهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1- هروب الخادمات من كفلائهن (المستفيدين) ضمن خطة مرسومة للعمل في جهة أخرى غير تلك التي وصلت من أجلها في إطار عقد صريح تربطهم علاقة العمل وبعد ان صرف عليها المستفيد مبالغ طائلة وبذل جهدا مضنيا لحاجته الماسة وبعد ان مرّ بسلسلة من الإجراءات والعقود النظامية حتى حصل على التصريح باستقدامها، تهرب! وتذهب إلى مستفيد آخر، أو إلى تجمع للخادمات أو لأمور لا يجوز ذكرها؟ كل واحدة بحسب علاقاتها المسبقة الصنع منذ خروجها من بلدها، ولا يعلم الكفيل بكل تلك النوايا أو الاتجاهات حتى يجد نفسه بدون العاملة التي صرف عليها ومن أجلها الجهد والمال، فتهرب وقد سرقت أو ارتكبت خطيئة أو عقدت العزم على توجيه تهمة لكفيلها وأسرته. هربت ولا أحد يعلم أين اتجهت ولا إلى أين ستعمل، تركت الجواز والإقامة وهي على ثقة بأنها ستعود إلى بلادها بعد أن تقضي ما أرادت، وكسبت ما كسبت بطرق هم يعرفونها ونحن لا نعلمها والله وحده يعلمها، ولم توضع أدنى إجراءات أو تحرزات ضد ذلك إلا تلك الإجراءات التي تتركز على الكفيل المواطن السعودي الذي فقد حقه ليجد نفسه متهما لأدنى ادعاء يمكن ان تقدمه العاملة المنزلية؟! 2- هروب العمال وهم كما سبق وان قامت به الخادمات فهم ينهجون نفس المنهج ولنفس الأغراض ويعملون لدى مستفيدين آخرين ويملؤون الشوارع والطرقات ليبحثون عن عمل، وكفلاؤهم في حالة من الحيرة والاستغراب، وكذلك لم تتخذ أي إجراءات لتعقبهم أو ملاحقتهم أو لتمكين كفلائهم من الاستفادة منهم، ويعملون لدى مستفيد آخر وبأجر كبير ودون قيود ولا شروط، وإن كانت هناك قيود وشروط فإنها لا تخضع للمتابعة ولا المراقبة والتعقب من الجهات المسؤولة. فالجوازات تنتهي مهمتها عند التأشير للعامل بالدخول عند وصوله إلى الميناء بموجب جواز سفر يحمل ختم السفارة السعودية القادم منها واسم الكفيل أو الشركة. ومن ثم تصدر الإقامة التي تساعد العامل على التنقل داخل المملكة والعمل في أي عمل شاء ولا حاجة لمراجعة الكفيل أو التصريح منه! والتصريح الذي يلزم العامل للتنقل داخل المملكة وبين مدنها وقراها ألغي؟! وأوقف العمل به نظراً لمبررات ليست من صنع المواطن ولكنها تساعد على الهرب والاخلال بالعقد. 3- انتشرت الجرائم التي يرتكبها الوافدون لمختلف الأغراض، وطالت القتل وفعل الفحشاء وصناعة الخمور وتزوير النقود والإقامات والبطاقات والجوازات وغيرها وغيرها. حيث إن الكثير من هؤلاء الوافدين الذين لا ترتسم عليهم علائم التزكية والنزاهة! فقد أتوا إلى هذه البلاد بقصد مزاولة مهام هم يقومون بها في بلادهم أو هم قد خرجوا لتوّهم من السجون، أو من قضايا إجرامية أو أخلاقية دون أن يحصل على تزكية أو شهادة براءة من القضايا والتهم المشينة. فقد استقدم بعد أن مرّ ببعض الإجراءات غير المسؤولة مهما كانت سيرته دون تمييز بين الصالح والطالح ووصل إلينا وهو العليم بجرائمه ليزاولها هنا؟ وليكسب منها ماديا أكثر بكثير مما كان يكسبه في بلاده. هذه الأمور وغيرها الكثير من المخالفات والمعاناة التي يعانيها المواطنون على اختلاف مشاربهم. فقلّ أن تجد منزلاً إلا وقد مرّ بمشكلة مماثلة من سائق أو خادمة أو عامل. هذا بالإضافة إلى ما يرتكبه بعض الذين تخلفوا وقد قدموا للزيارة أو الحج أو العمرة وإن كان هذا النطاق أقل خطورة إذا ما قورن بفداحة مصائب المستقدمين؟! 4- الخطيئة مشتركة ما بين العمالة وبعض المواطنين والجهات المسؤولة، فالخادمة أو العامل قدم وقام بما قام ويقوم به يقصد الاسترزاق والتزود بالمال أكثر فأكثر ليعوّض المال الطائل الذي دفعه لمكاتب الاستقدام في بلده حتى ليحصل على سمة الدخول إلى هذه البلاد وليزاول مهمته الشائنة التي تفيده وتضرنا نحن أبناء الوطن من جميع الاتجاهات. فالمواطن الذي يتستر على العامل وأدنى مراتب التستر هو أن تذهب إلى موقف العمالة وتصطحب عاملا ليقوم لك بمهمة أو يصلح لك خللا كهربائيا أو سباكة أو غيرها دون أن تسأل عن كفيله أو تأخذه عن طريق مكتب مرخص أو شركة مسؤولة، فتجد عشرات العمال السائبين في مواقف معروفة تأخذ منهم ما شئت دون رقيب أو حسيب، وحتى المواطن الذي يطلب من هؤلاء العمل لديه قد يتعرض لمصائب أو اعتداءات أو سرقات، بعد ان يؤدوا عملهم، ولا تعلم من هم ولا ومن أين أتيت بهم، وقد لا تعلم لهم أسماء أو جنسية أو أدنى المعلومات الاحترازية، فمن يعمل مثل ذلك، يعتبر متسترا مهما أدت الحاجة إلى ذلك. بالإضافة إلى أولئك المتسترين من المواطنين الذين يتولون تشغيل العمالة الهاربة أو المتمردة بأجور كبيرة سواء كانوا خادمات أو عمالا، وهذا امر لا يخفى على الجميع، فقد تجده في الصحافة والإعلانات عن وجود خادمات للتنازل أو عمال لتوظيفهم، وقد يكون ذلك دون تصريح رسمي من الجهات المسؤولة، ومن هي الجهات المسؤولة؟ 5- الجهات المسؤولة يجب أن تضع حداً لذلك وتعتمد التصاريح اللازمة للتنقل ما بين المدن في المملكة أو داخل المنطقة أو البلدة الواحدة، وتصريح العمل الموقع من صاحب العمل وبختمه وبتصديق من الغرفة التجارية أو مكتب العمل. الجهات المسؤولة تحتاج إلى مزيد من الحزم والمراقبة والمتابعة حتى تكشف عن مخالفات العمالة رجالا ونساء والتشهير بالهارب والمخالف ونشر صورته في الصحف اليومية حتى يمكن التعرف عليه من كفيله الأساسي وعدم الاكتفاء بغرف الحجز والتسفير التي كثر الحديث عنها ولا فائدة منها. الجهات المسؤولة يجب أن تنصف المواطن من العمالة أو العامل الهارب بأخذ الحق منه وعدم تطبيق الإجراء الخاص بدفع المرتبات والإركاب والخروج النهائي واسقاط حق المواطن الذي سلبه هذا العامل او هذه العاملة كما أسلفنا. 6- الواجب أن يكون هناك إجراءات صارمة تطبقها القنصليات السعودية في الخارج مع مكاتب الاستقدام الخارجي لحصر أسماء العمالة والعاملات ومعرفة منازلهم وعناوينهم والحصول على حسن سيرة وسلوك عن كل واحد والتوقيع على ضمان إلزامي بأن يفي العامل أو العاملة بالعقد طيلة مدة العقد، وفي حالة الهروب أو ارتكاب الجرائم والمخالفات فستطال الضامن الأساسي في بلد العامل، وأن تزوّد السفارات التي قدم منها العامل بنسخة من هذه البيانات والإجراءات حتى تطبق إجراءات سلامة انتظامهم في العمل. 7- يجب أن يكون هناك عقود عمل للشركات التي تقوم بالمشاريع الكبيرة والتي تزيد مجموع العمالة منها عن العشرين عاملا بأن يكون هناك عقد للمشروع الواحد يعود بعده العامل إلى بلاده دون السماح بالتجديد لأي سبب، وتزود السفارة السعودية والأجنبية بصورة من قائمة العمالة. 8- يجب أن لا يُسمح للعامل ان يجدد عقده أكثر من فترتين مجموعها أربع سنوات ليعود بعدها إلى بلاده. 9- يوقف نقل الكفالة من الداخل لأي سبب. 10- يوقف توظيف العمالة في الأعمال الإدارية والمعارض والمحاسبة والإشراف والمعارض التجارية والمعارض الصناعية إلا بنسبة لا تتجاوز 10% بقصد نقل الخبرة وترك هذه الوظائف للمواطن السعودي ضمن خطة تنمية الموارد البشرية وسعودة الوظائف العاملة. 11- اقتصار وظائف العمالة على الأعمال التي لا يقوم بها السعوديون حيث إن الشباب السعودي وفي هذه المرحلة في طور التدريب والإعداد للمهن والأمور الفنية، وحتى انتهاء الفرصة لإقحامهم في هذه الأعمال. 12- التوعية المستمرة من قبل الجهات ذات العلاقة بأهمية المتابعة والمراقبة وضرورة التوجيه. التفكير جديا بإيجاد هيئة وطنية لربط الاستقدام والتنمية البشرية ومتابعة الاكتفاء وتوطين الوظائف في كل القطاعات الحكومية والشركات. فبتضافر الجهود والتوعية الشاملة المستمرة ستحد من هذه الظواهر وتوحد المسؤولية تحت مظلة الهيئة الوطنية العليا للتوظيف والتوطين، لتضمن حق المواطن والوافد أياً كان سبيله الشريف وحتى لا تصبح العمالة شراً لابد منه. وهنا تجب الاستفادة مما اتخذته وتتخذه الدول التي اعتمدت العمالة الوافدة بإنجاز مشاريعها ومشاريع البنية التحتية.
* فاكس 2318155 - 01
|
|
|
| |
|