| |
هذرلوجيا مباحث الأمن الغذائي سليمان الفليح
|
|
* بالأمس كنت أتبادل النكات والقفشات والطرائف مع صديقي الظريف الذي لا يملك من حطام الدنيا سوى الضحكة المجلجلة والبسمة الشاسعة وضرب مؤخرة الدنيا دوماً ب(شلوت) معتبر والقناعة التامة باعتبارها كنزا لا يفنى بوظيفة متواضعة تقيه شر العوز والحاجة وذل السؤال. وبينما كنا مندمجين بالضحك رن فجأة هاتفه الجوال فعبس وابتأس و(اشمأز) واكفهر وانتحى جانباً بينما كنت أسترق له السمع وأصطاد ما تناثر منه من كلمات مثل (كمين، مصدر، مداهمة، ضبط، عصابة) وكنت ألاحظ تقلصات ملامحه التي تحولت إلى صرامة حادة لم أعهدها به. ولأنني أعرف أن صاحبي مجرد موظف في البلدية فقد راحت تنتابني الظنون بأن صاحبي أكبر من ذلك بل وأخطر وأنه رجل يقوم بمهمات لا يقوم بها سوى ضابط مباحث معتبر يرتب للإيقاع بعصابة خطيرة وبأعصاب حديدية، وحينما انتهى صاحبي من حديث الهاتف اقترب مني وأخذ يواصل ما بدأناه من نكات وقهقهات. ولكنني ردعته بالسؤال التالي: يا فلان أنا أعرف أنك مجرد موظف (ضئيل) في البلدية فلماذا هذه (الفشخرة) الزائدة التي توحي لمن حولك بأنك رجل مهمات صعبة ثم (شنهو مداهمة شنهو ضبط، شنهو مصدر؟!) فهذا كلام ضابط في المباحث الجنائية لا موظف بلدية مثل (حضرة جنابك). وهنا قهقه الرجل حتى بانت نواجذه وقال لي: بالفعل إن من يسمعني أردد هذه المفردات يظن أنني ضابط مع أن هذه المفردات تدخل في صلب عملي البسيط، فقلت له كيف يا هداك الله؟ فقال -لا فض فوه-: لقد تلقينا في (طواري الأمانة) بلاغاً من أحد مصادرنا السرية يخبرنا فيه بأن بعض مصانع المواد الغذائية التي أوشكت بعض موادها على الانتهاء التي لا تستقبلها الأسواق تقوم بإرسالها إلى الإتلاف في النفايات العامة وهناك عمالة سائبة تقوم بالتقاط تلك الكميات من الأغذية وبيعها على (الأسواق الشعبية) بأسعار زهيدة لكون تلك الأسواق لا تخضع عادة للرقابة!! باعتبارها أسواقا غير نظامية، وتلك المواد هي بمثابة معلبات أو حلوى أو شامبو أو غيرها، كما أن بعض الغشاشين يلجؤون إلى شراء أكياس الأرز الفارغة من المطاعم التي تشتهر محتوياتها بالجودة؛ ليقوموا بتعبئتها بأنواع رديئة أو منتهية الصلاحية، ومن ثم تطرحها (بالأسواق الشعبية) بأسعار رخيصة. *** وبينما كان صاحبي موظف البلدية يسرد لي بعض أساليب الغش تذكرت أن قوات المهمات والواجبات الخاصة بشرطة الرياض قد ألقت القبض مؤخراً على عصابة بنغالية تروج أدوية مجهولة المصدر على الصيدليات وكان من ضمنها (علاج الضغط والسكر والفشل الكلوي والروماتيزم وغيرها). وأيضاً تذكرت أن تلك القوات - قواها الله - كثيراً ما تداهم مصانع الخمور أو أوكار بيع المخدرات الأمر الذي جعلني هنا أعتبر مهمة صاحبي موظف البلدية لا تقل أهمية عن مهمة رجال الشرطة، لا سيما إذا عرفنا أن المخدرات تقضي على المرء بالتدريج، فإن المواد الغذائية الفاسدة تقضي عليه على الفور، فلماذا إذن لا يُعتمد مباحث الأمن الغذائي مثله مثل مباحث الأمن الجنائي فكلاهما يعملان من أجل أمن المواطن والوطن، فبارك الله في الأعين الساهرة التي لا تنام من أجل عين الوطن، وليحمي الله هذا الوطن من كل شر ومكروه.
|
|
|
| |
|