| |
المسؤولية الاجتماعية في سلوك رجل الأعمال السعودي د. عقيل محمد العقيل
|
|
أمعن إعلامنا في تشويه صورة رجل الأعمال السعودي حتى أصبح في ذهن الكثير من الناس ذلك الرجل الذي لا يحمل قيماً ولا يرى إلا مصلحته، يحركه الطمع والجشع ولا شيء سواهما، ولقد ساهم رسامو الكاريكاتير والكوميديون في تعزيز بناء تلك الصورة القبيحة التي لا تعبر عن واقع بقدر ما تعبر عن ثقافة تقول بوجوب نصرة الضعيف على القوي وإن كان الضعيف مخطئاً أو متقاعساً أو مذنباً أو حتى نصاباً. رجل الأعمال السعودي ما هو إلا مواطن نشأ في رحم الثقافة السعودية، رجل تعامل مع معطيات البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية السعودية واستطاع أن يتحول إلى رجل أعمال لينضم بذلك إلى النخبة الاقتصادية ذات الأثر الفعال في تغيير بيئة العمل التي ينشط هو وزملاؤه من رجال الأعمال بها. وإذا أدركنا الفرق الكبير بين معطيات البيئة الغربية والبيئة السعودية لأدركنا أسباب البون الشاسع بين رجل الأعمال الغربي ورجل الأعمال السعودي، فرجل الأعمال الغربي الحالي الذي يحمل فكراً وسلوكاً نتمنى أن يحمله رجل الأعمال السعودي ما هو إلا نتاج مراحل تطور متعددة أدت لترسيخ قناعات جديدة وأكيدة في أهمية تحقيق رضى العميل وسعادته وتحمل المسؤولية الاجتماعية في البيئة التي ينشط بها. نعم رجل الأعمال الغربي أدرك أن تحقيق مصلحته الخاصة يكون بتحقيق مصلحة جميع الأطراف والمصلحة العامة، وذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق النمو المستمر حتى أصبح ذلك الإدراك جزءاً من فكره وسلوكه الإداري والاقتصادي، فأصبح يمارس مسؤوليته الاجتماعية على أساس وجداني وفهم دقيق للقيمة المضافة التي يمكن تحقيقها لصالحه ولصالح المجتمع فقام بها على أساس أنها نشاط رئيسي شأنه شأن الأنشطة التجارية الرئيسية التي أنشأ مؤسساته من أجل القيام بها، فأبدع ونوع وأتقن وتفوق في الأعمال الاجتماعية حتى غدا نموها نموذجا نتمنى أن نحتذي به. ومن دلائل ذلك تنافس الشركات في العالم الغربي في خدمة المجتمعات التي تنشط بها، حتى بات المواطن الغربي ينعم بالكثير من الفوائد نتيجة ذلك التنافس، فتارة يجد حديقة عامة أنشأتها إحدى الشركات الصغيرة وسمتها باسمها أو باسم أحد رواد ذلك المجتمع، وثانية يجد كرسياً أنشأته إحدى الشركات لدراسات متخصصة، وثالثة يجد مركزاً للأبحاث والتطوير ترعاه عدة شركات وطنية، وبنظرة واحدة على موقع شركة سوميتومو Sumitomo Corporation يمكن لنا أن نعرف مدى انغماس الشركات العالمية في خدمة المجتمع الذي تعدى مفهومه لديهم المجتمع الصغير الذي نشأوا فيه إلى العالم بسعته الكبيرة. إذن لا يحق لنا أولاً أن نلوم أو نستنقص رجال الأعمال السعوديين، ولكن علينا أن نثير الأسئلة ونضع الإجابات ونشرع في العمل، ومن التساؤلات الكبيرة التي يحق لنا أن نتساءلها يمكن أن تكون كالتالي: ما هي مكانة المسؤولية الاجتماعية في فكر وسلوك رجل الأعمال السعودي؟ وهل هي في حالة نمو أو انحسار؟ وكيف لنا أن نعزز نموها لنعزز نتائجها الإيجابية لصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على آخر؟ ويبدو لي أن مكانة المسؤولية الاجتماعية في فكر وسلوك رجل الأعمال السعودي ضعيفة جداً وإن رأينا بعض من صورها هنا وهناك، فهي لا ترتقي لعدد وحجم الشركات والمؤسسات السعودية وأرباحها الجيدة التي تحققها على حساب المجتمع السعودي. نعم فقليل جداً من المنشآت التجارية لدينا من يطرح فكراً حديثاً لخدمة المجتمع السعودي في كافة محاوره، فالقليل من يقول بضرورة تطوير جودة المنتجات والخدمات وضبط أسعارها بما يتوافق والصالح العام، والقليل من يتصدى للعوائق الاستثمارية ليعالجها لتحقيق مصلحته والمصلحة العامة، فالغالب يلجأ إلى حل العقبات بأساليب ليست هي المثلى أو لأكون حاداً وأسميها بالخاطئة، والقليل أيضاً من يبادر في رعاية المناشط المهمة والحيوية الضرورية لمعالجة قضايا المجتمع ومشاكله وهمومه. واعتقد أن تساقط قلاع الحماية الحتمي بسبب انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية سوف يحيي بعض عناصر قوى السوق الميتة نتيجة ضعف منافسة رجل الأعمال السعودي للآخر الذي سيدخل سوقنا دون حاجة لوكيل أو شريك بفكره وسلوكه الاستثماري المتطور الذي يستدعي مراجعة رجل الأعمال السعودي لفكره وسلوكه ومعالجتهما ليتسلح بعناصر تمكنه من الصمود في ساحة تنافسية ذات معطيات جديدة لا مكان فيها لمن ضعف فكره وهزلت عضلاته بسبب الحماية والدعم المحرمين في قوانين منظمة التجارة العالمية. وهذا دون شك سيؤدي إلى ازدهار خدمة المجتمع من قبل رجال الأعمال السعوديين لتصبح المسؤولية الاجتماعية جزءاً رئيسياً من أعمالهم التي تحقق لهم نقلة نوعية ونشاطاً إيجابياً أكبر وانتشاراً في السوق يسهم في تعزيز مكانتهم وإمكاناتهم بما يعزز من فرص نجاحهم في أسواق مفتوحة تزداد المنافسة الشرسة فيها يوماً بعد يوم. وأعتقد بأنه بالإمكان أن نعزز هذا الاتجاه لننعم جميعاً بنتائجه إذا قام رجال الأعمال بتوجيه أموالهم إلى مساحات ذكية تجعل كفاءة المال المصروف عالية جداً، وهذا يستدعي منهم بطبيعة الحال تفريغ أطقم وظيفية متخصصة لذلك كما هو الحال في مؤسسة عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، نعم ماذا لو كان لدينا مئات مثل تلك المؤسسة، بالتأكيد ستكون النتائج رائعة. كما يمكن لنا أن نعزز هذا الاتجاه بتطوير مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الخيري لتكون أكثر قدرة وكفاءة في تحقيق النتائج التي تعد بها، ذلك أن الوفاء بالوعود حافز كبير لرجال الأعمال للمزيد من البذل والعطاء على عكس الإخلاف بالوعود الذي يعد مثبطاً كبيراً لرجال الأعمال حيث يشعرون بخيبة الأمل المفضية إلى التوقف عن فعل الخيرات. وأخيراً أظن أن الحكومة تستطيع أن تحفز رجال الأعمال السعوديين للمزيد من العطاء والإبداع في خدمة المجتمع بسن مجموعة من التشريعات والأنظمة التي تبارك وتميز من يقومون بهذا الدور، والخيوط التي بيد الحكومة للقيام بذلك كثيرة ومتعددة، وختاماً أرجو من الله العلي القدير أن تتعاضد الجهود لكي تصل ثقافة البذل المؤسساتي بنفس مستوى ثقافة البذل الفردي لدينا، وأن أشكالاً مؤسساتية في أطوار متقدمة كما في العالم الغربي لخدمة المجتمع، وما يبشرنا بذلك حقيقية ما نراه من مسؤولين شباب في بعض شركاتنا بدءوا بالإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع ولمسنا منهم بعض التحركات في الاتجاه الصحيح.
alakil@hotmail.com |
|
|
| |
|