* يعد اليوم الوطني، علامة فارقة في تاريخ الشعب السعودي، لأنه ببساطة، يجسد حقيقة تاريخية في حياة ثلاثة أجيال متعاقبة، يندر أن يوجد لها مثيل في هذا العالم، ذلك أن جمع شتات كيانات ضعيفة متهالكة، في كيان واحد قوي ومتماسك، يشكل في حد ذاته معجزة، ولكن هذه المعجزة تتحقق فوق الرمال العطشى بين بحور ثلاثة، ثم يعيشها أبناء هذا الوطن الكبير عاماً بعد عامٍ، بكل ما فيهم من مشاعر الحب لها، والفخر بها، والتقدير والإعزاز لصانعها، المؤسس الموحد، (الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) رحمه الله.
* والاحتفال باليوم الوطني في هذا السياق التاريخي والحضاري، يمثل قيمة وطنية جليلة لا يستهان بها، ومناسبة كبيرة للفرح، وفرصة تكرر وتتجدد، لمزيدٍ من الحب والعطاء والنماء، ولهذا ظهر الشعب السعودي في احتفاليته هذا العام، كما لم يكن من قبل، ليس لأن هناك إجازة يتمتع بها العاملون في هذه المناسبة كما قد يتصور البعض، ولكن لأن (السعوديين) بكل تأكيد، شعروا أن حقهم في التعبير عن مشاعرهم تجاه وطنهم وأمجاده وتاريخه، قد عاد إليهم من جديد، فشكراً لملك القلوب، الذي يعرف كيف ومتى يدخل الفرح إلى هذه القلوب، (الملك عبد الله بن عبد العزيز) رعاه الله ونصره.
* أما وقد احتفلنا بهذه المناسبة السعيدة قبل أيام قليلة، فأرجو أن نتحلى ببعض الصبر والحكمة، لنعذر بعض مواطنينا من الشباب على وجه خاص، الذين أخذتهم حماسة الفرح ومشاعر الغبطة، فبدر منهم ما كان موضع نقد واستنكار هنا أو هناك، ولعلنا نصدق مع أنفسنا فنلومها، لأننا لم نعمل على توجيه قطار الفرحة الوطنية هذه، إلى مساره الصحيح، حين أوقفنا جهودنا في الاحتفاء بهذه المناسبة السعيدة، على الجهد الإعلامي المسموع والمقروء والمنظور في الغالب، وغفلنا ? ربما - عن الشارع العام، الذي هو مسرح الحياة، حين يتحرك الناس في المدن والحواضر، فرادى أو جماعات، وفي أذهانهم إظهار مشاعرهم الفرحية، غير ناسين، تلك الروابط الثقافية بين حاضرهم وماضيهم، ورغبتهم في إبراز جوانب من التراث الفني الحركي في المشهد العام، فإذا لم يكن هناك من وسائل وبرامج تسمح بمثل هذا الانسياح الثقافي والحضاري، في ساحات ومسارح وأندية وملتقيات، كانت السيارة والشارع هما البديل الأوحد، وهذا ما حدث.
* مر يومنا الوطني بثلاث مراحل مهمة في تاريخنا المعاصر، مرحلة الحضور والتوهج، يوم كان قريباً إلى قلوب الناس، لأنه كان يسكن في مدارسهم ومناهجهم ومنابرهم وخطابهم العام، ويشكل محطة سنوية سعيدة في مسيرتهم الحياتية. ثم مرحلة تغريبية بشعة، شهدت سطوة تطرفية ظلامية، أفرزها ما يسمى الخطاب الصحوي، الذي ما لبث أن هيمن على مفاصل أساسية في حياة السعوديين، فسود في أعينهم ما كان أبيض، وبيض ما كان أسود، وهيأ الذهنية الشعبية بشكلٍ عام، لصالح خلافة إسلامية (وهمية)، تقوم على أنقاض الوطن والوطنية، وتبتز جهود الوطن وخيريته، وتضرم نار حرابة أممية عدائية، معظم حطبها كما رأينا، من أبناء الوطن.
* في (مرحلة التغريب) هذه، أصبح النشيد المهيِّج، بديلاً عن نشيد الوطن، والشريط المؤدلِج، بديلاً عن تاريخ الوطن وأمجاده، ومقصياً لموروثاته وغنائياته، ومبغِّضاً حتى في أسمائه ومصطلحاته..!
أما المرحلة الثالثة، فهي (مرحلة التقريب) بعد التغريب، وقد احتاجت إلى قرار سياسي في العام الماضي لكي تنطلق من جديد.
* ليس كل السعوديين كان سعيداً، بتغريب المناسبة الوطنية ليومهم الوطني، بل أكاد أجزم، أن معظم السعوديين، كان في حزن وغم، وكأنه فقد جزءاً منه. فهذه واحدة من صور الحزن التي عبر عنها الشعر. قصيدة واحدة من منظومة (بكائيات)، كانت قبل العام 1426هـ، تكتب فلا ترى النور، حتى أعيد لليوم الوطني شخصيته واعتباره.
* من الوسط التربوي، أكثر الأوساط الشعبية استهدافاً، لتغريب هذه المناسبة الجميلة، وأكثرها كذلك استجابة، لتقريبها على ما أظن ? وهذا على ذمة الدكتور (عبد الرحمن الواصل)، في مقال له في صحيفة الوطن، يوم الجمعة 29 من سبتمبر الماضي، يصور فيه حال التعليم في عنيزة، في احتفالية اليوم الوطني هذا العام - فهذه البكائية الشعرية، رأيت أنها يمكن أن تنوب عن غيرها في تصوير هذه المرحلة، فهي للأستاذ (ناصر بن حمد المسلم)، من مدرسة ابتدائية في محافظة الزلفي، فقد قال له زميل له ذات يوم وطني عام 1425هـ: اليوم الخميس، يصادف اليوم الوطني للمملكة..!
فتحسر الشاعر على يوم وطني غريب، لا يتذكر أهله مجيئه ولا ذهابه..! فكتب تحت عنوان (يومنا الوطني) يقول في بعض أبياتها: