| |
الخروج على منطق التاريخ د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم
|
|
التشدد لا يقل خطورة عن التطرف، وإن كان الأخير أقسى من الأول وأشد، بل إن انحرافه المعياري مائل جداً نحو اليمين. هذا ما يدعو غالبية علماء السياسة إلى الجزم بأن فكر وخيال المتشددين أو المتطرفين الجامح نحو التعلق الأعمى بالمجردات والمشعوذات، والتشبث اليائس بخيال المثالية العمياء المفرطة في تقديس الماضي، إلى جنوح مجموعة منهم في أعماق اليفوبيا الهستيرية اليائسة. تعددت المبررات والهدف واحد لكون الغاية واحدة تتمحور حول حرص القلة المتطرفة على قمع حركة الفكر الإنساني، وتحديده ونفي مرونته، وحجر تطلعه الطبيعي نحو الأفضل، لا بل وعدم إتاحة الفرصة للإنسان للتأقلم مع حركة التاريخ وتبني منطق الواقع والتعامل المنطقي والمرن مع حقائقه. بمعنى أن فكر التشدد والتطرف والغلو يحرص باستمرار على وأد فكر الوسطية وعلى اغتيال ثقافة الاعتدال. وجاءت ثقافة التطرف والتشدد والغلو كنتائج خطيرة لتراكمات ضخمة من الدهون العقدية القاتلة التي استشرت في شرايين البعض ممن ينتمون إلى الأمة الإسلامية. وجميعها مجرد إفرازات وبائية للمصادر العقدية المغرضة التي شحنت في العقول الإنسانية اليافعة بما هو رافض ومعارض ومستنكر. وجميعها كانت وما زالت رد فعل طبيعي لمعتقدات الفئات المتطرفة التي حقنت في نفوس الشباب ما هو غث وفاسد وكل ما هو عفن ومتعفن. الحقائق التي تضخمت عما وقع من أحداث دامية ومصائب جمة تؤكد أن جميع المخرجات السلبية للعناصر العميلة أو الدخيلة عمقت من مشاعر الحقد والكره في وعي الشباب المسلم لكل من يختلف أو يتعارض معهم أو ينتقدهم. محصلة الوضع الإجمالي لحسابات الخسائر بعد أن ألغيت من وعي الأمة الإسلامية حسابات الأرباح تؤكد أن بيئة التقوقع ووعي التجمد عمقت في قاعدة واحدة من قواعد وعي الأمة مشاعر الكمون النفسي في ذات الوقت الذي ضخمت فيه من عقد (الأنا) ومن معضلة (النحن) في مواجهة الآخرين. بل وفرضت تلك التراكمات السلبية وجود نفسيات إنسانية واجتماعية متضاربة، كما انتجت هويات شخصيات متناقضة وفرضت وجود عقول إسلامية متنافرة ليس من السهل علاجها بطرق تقليدية وإنما تتطلب التعامل معها بآلية علاج عصرية تقنية حديثة متعددة الأهداف والأغراض تحتوي في نهاية المطاف، إن لم تنجح الحلول التقليدية على استخدام العلاج الكيماوي لهذه التراكمات خصوصاً في البعض من الحالات الميئوس منها. لكن لنكن أكثر تفاؤلاً بالمستقبل ولنضع جانباً مشاعر التشاؤم التي هيمنت على التاريخ الإسلامي برمته وما زالت تطارد الواقع والحاضر الإسلامي من مختلف الزوايا التي تم اختراقها من قِبل بعض القوى والجماعات المعادية للإسلام والمسلمين سواء من الداخل بفعل الجهل أو العمالة المخونة، أو من بعض القوى العدوانية الخارجية. الذي يبدو حتى الآن أن حركة المجتمع شرعت في تصحيح مسارها وفي تعبئة قدراتها وتفعيل إمكاناتها في الاتجاه الصحيح ليس وحسب بفعل نمو الوعي الإسلامي بمخاطر الإرهاب والتطرف والتشدد والغلو، وإنما بعد أن مرت شعوب العالم الإسلامي بتجربة الإرهاب الجديدة التي لم يسبق لها التعامل معها من قبل، وشعرت الأمة جميعها بمخاطرها الأكيدة على أمنها واستقرارها ورفاهيتها. إن الخروج على منطق التاريخ وقواعده ونواميسه فيه خروج على الواقع والحقائق مما يعني حياة من نهج ذلك النهج وسلك ذلك المسلك في دروب المثالية وأبراج الخيال التي لا وجود لها ولا مكان لها من الإعراب. ذلك الوضع الإنساني الفكري والسلوكي دائماً ما يدفع بحركة الزمن وعقارب الساعة إلى الوراء إلى تخوم واقع مضى وانتهى يعيش في ذاكرة التاريخ بعيداً عن واقع العصر الحديث ومتطلباته وحقائقه.
|
|
|
| |
|