| |
الجمعة 9 رمضان 1393هـ - الموافق 5 أكتوبر 1973م - العدد 720 الحرمان أبرز مظاهر الصوم!
|
|
كل عبادة تعبدنا الله تعالى بها من شأنها أن تترك آثاراً طيبة ظاهرة في الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب النفسي منه، وما تتحلى به النفس من كريم الصفات وحميد الفعال، إذا هو أحسن العبادة، وأداها على وجهها الصحيح. وكل عبادة لها مناسكها ومشاعرها التي يستقبلها الإنسان بها، ويؤديها عليها، حتى تثمر له الثمر المرجو منها، وإلا كانت تلك العبادة مجرد مظاهر جوفاء، لا يتأثر بها شعور ولا يتوهج بها وجدان.. فالصوم - مثلاً - أبرز مظاهره حرمانه الجسد من الشهوة الغالبة عليه، من الفجر إلى غروب الشمس مدة شهر رمضان.. وهذا الحرمان ليس مقصوداً لذاته وإنما هو رياضة للنفس، وترويض لجماحها، وكسر لحدة شهواتها، حتى تنقاد للإنسان ولا ينقاد لها، ويملكها ولا تملكه.. فإذا بلغ الصائم بصومه هذه الغاية، كان له أن يعد نفسه في الصائمين، وإلا فليعلم أنه ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. وإذا كان الصوم على هذه الصورة من الحرمان الجسدي، فإن أقل ما ينبغي أن يستقبله به الإنسان المسلم الصائم، هو إعداد نفسه لهذا الحرمان، وأخذها به، وحسابها عليه، وهذا يعني أن يتخفف الصائم من كثير من ألوان الطعام - كماً وكيفاً - وأن يصحبه شعور دائم بالحرمان مما تشتهيه نفسه مما هو حاضر أو غير حاضر بين يديه.. فهل نحن الصائمين، نقيم صومنا على هذا الميزان؟ إن أمرنا في صوم رمضان ظاهر للعيان، لا يحتاج إلى تفكير وتقدير للكشف عن هذه المفارقات البعيدة بين حقيقة الصوم، وما نؤديه نحن من صوم. إن رمضان قد أصبح بحكم العرف والعادة شهر طعام وشراب وشهوات ولذات لا شهر حرمان وامتحان، وترويض على احتمال الشدائد، ومغالبة النوازل.. إن كثيرين منا إذا ما اشتهوا طعاماً في غير رمضان، وقصرت أيديهم عن الوصول إليه واعدوا أنفسهم به في رمضان، وهكذا تتوارد عليهم شهواتهم المكبوتة خلال العام، فتستنجزهم الوعد الذي جاء وقته في رمضان.. ومن هنا كان هذا الجري اللاهث وراء ما يسمى بحاجات رمضان، ومأكولات رمضان، ومسليات رمضان. أما الإعداد النفسي، وإن الاستعداد الروحي لاستقبال رمضان، وللدخول في هذا الامتحان الرباني فيه، والعمل على الخروج منه برصيد من الخير في الدين والدنيا - فذلك من وراء تفكير أكثر الصائمين، وقليل هم أولئك الذين يؤدون لهذه العبادة حقها، ويخرجون منها فائزين بثواب الله.
|
|
|
| |
|