| |
رأي اقتصادي الاقتصاد ومتلازمة الاحتكار د. محمد اليماني
|
|
لا يكاد يختلف اثنان على مضار الاحتكار وآثاره السلبية على الأفراد والاقتصاد، ولا يكاد يخلو تشريع أو قانون من تحريمه ومنعه وفرض العقوبات الرادعة لمن يمارسه. وقد عُدَّ في الإسلام من كبائر الذنوب، واستحق من يمارسه اللعن بنص الحديث النبوي الشريف. ويبين هذا شناعة هذا الفعل ذلك أن الأفعال والسلوكيات التي استحق فاعلوها اللعن محدودة. وتكمن خطورة الاحتكار في كونه أداة لاستغلال حاجات الناس وابتزازهم والإضرار بمصالحهم وسير حياتهم اليومية، فهو مرتبط دائماً بالأسعار المرتفعة والجودة المتدنية. فعدم وجود المنافسة يجعل المحتكر في مأمن، فبالتالي لا يخشى انصراف الناس عنه إن هو قام بزيادة السعر، ولا يوجد حافز يجبره على الارتقاء بنوعية وجودة السلعة أو الخدمة. وينشأ عن هذه القوة الاحتكارية قدرة المحتكر على التمييز والتفرقة بين المشتريين بناءً على اعتبارات يضعها هو وفقاً لما يحقق مصالحه ويعظم أرباحه. وتصل أساليب التمييز إلى أبشع صورها حينما يفرق المحتكر بين مشترٍ وآخر بناءً على معايير هي أقرب ما تكون إلى التمييز العنصري. فهذا يحصل على السلعة أو الخدمة؛ لأنه مؤهل وفق هذه الاعتبارات، والآخر لا يحق له الحصول عليها على الرغم من استعداده لدفع الثمن؛ لأنه ليس كذلك. ومن المؤسف أن هذه المؤسسات الاحتكارية تتباهى أنها تحقق أرباحاً قياسية موازنة بمثيلاتها في أماكن أخرى من العالم، وتعزو ذلك إلى أدائها المتميز وإنجازاتها الهائلة، في حين أن الواقع يقول إن أرباحها منشؤها - ولو بشكل جزئي - الاحتكار وعوامل أخرى خارجية. ولعل المؤسسات المالية المحلية التي صنفت على أنها من أكثر المؤسسات المالية ربحية في العالم لا تخرج عن هذا السياق. والاحتكار لا يؤدي إلى هذه النتائج فقط بل إنه يؤثر على مستوى تدريب ومهارات العاملين في القطاع أو الصناعة الموجود بها، إذ إن المحتكر لا يرى حاجة في الإنفاق على الارتقاء بأداء العاملين لديه طالما أنه يحقق أرباحاً عالية ولا خطر من وجود منافسين يوظفون كوادر مؤهلة ومدربة قادرة على توفير الخدمات والسلع بجودة عالية وأسعار متدنية. ولذا فليس بمستغرب وجود عاملين في المنشآت الاحتكارية لا يختلف سلوكهم عن أولئك العاملين في البيروقراطيات الحكومية العتيدة. ولأن كانت الأولويات والمستجدات الاقتصادية كثيرة، فإن التخلص من الاحتكارات القائمة ومنع تكوين الجديد منها لا بد وأن يحتل مكان الصدارة في أي إستراتيجيات أو خطط اقتصادية. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال وجود حزمة من الأنظمة والتشريعات التي تحرم الاحتكار وتجرمه وتعاقب من يمارسه وتتيح للجهاز القضائي كسره في حال تكونه وتعويض المتضررين منه. وفي حالة كون النشاط لا يسمح بوجود المنافسة فلا أقل من المراقبة الحكومية التي تحد من إفرازاته السلبية.
|
|
|
| |
|