ها أنذا بكل حضوري وانفعالاتي وسنوات العمر، أنتظر مركب الهجرة على شاطئ السفر. أحمل حقائب ذكرياتي وأسطر حباً كتبته مرة على وردة ذبلت، وياسمينة تقصفت أوراقها من الجفاف. أنتظر مركب الهجرة على شاطئ السفر مع غرباء حملهم اليأس على الرحيل وكتبت على جبينهم الغربة الدائمة: أنتظر.. وأنتظر مركباً يحمل عائدين إلى الأرض التي رحلوا عنها منذ سنين يحملون معهم سلالاً من الآمال الكبيرة، والتفاؤل والأحلام والحب والإلهام بسعادة منتظرة، وأنا والغرباء الآخرون نحمل سلال اليأس مثلهم يوم رحلوا، وننتظر مركب عودتهم ليحملنا إلى أرض ليس فيها إلا وروداً وسماء. المستقبلون كثر.. يحملون الزهور ويتنقلون بفرحة انتظار عودة الغائبين. والمودعون لا وجود لهم، فنحن المسافرين لم يعد لنا من يهتم برحيلنا، ولا بقصة هروبنا.. العائدون يرون في الأرض التي تنتظرهم كل آمال المستقبل. ونحن فقدنا كل آمالنا، وكل ابتساماتنا حتى قررنا الرحيل. أنتظر مركب الهجرة ليبتعد بي عن أرض فقدت فيها كل عواطفي، كل حبي، كل ابتساماتي وليضمني بين سمائه وبحره. أنتظر مركب الهجرة أن يوصلني إلى شاطئ مهجور أحصي حبات رمله لكي أنسى، أجمع محاره لكي أنسى، وأزرعه وروداً لا تذبل (ولا أنسى). أود لو تبتعد السفينة إلى ما وراء الأفق لأرمي حقائب ذكرياتي في بحر لم يعرف عمقه بعد. السفينة ستبحر، ولا مودع أطل ليلوح لنا من بعيد.. أنا والغرباء بيننا قاسم مشترك الضياع، والماضي الذي أصبح ذكريات. أبتعد عن الشاطئ، ويحملني مركب الهجرة إلى أرض جديدة لا تسأل عن الماضي ولا يهمها المستقبل.