لست مسؤولاً عن ذلك (الانتحار لذاكرته) لأنه يقف أمام قضبان الحقيقة التي لا يريد أن تنطلق من شفاهة (كاملة ذائبة) في خريف العمر الراحل! لم يعد صوت ذلك الكرسي الخشبي مزعجاً له!! بل على العكس أصبح يسليه لكي لا يقع على صوت ركبتيه المنحنية المقوسة الصارخة بسؤال يضني القلب. هل بقي (متسع من العمر)؟ هكذا هو يفهم تلك اللغة الجسدية الصادرة من أرجل لم تعد تساعده على حمل (جسد نحيل) غرست في أضلاعه سهام متمردة على (كوننيته) الفقيرة هو بنفسه ليس مسئولاً عنها؟
فجأة تتساقط.. حبات المطر دون إنذار بدأت قطراته تضرب (نافذة غرفته) يتحرك من كرسيه الخشبي القابع آخر الغرفة مثقلاً ومتأملاً للحظات.. ينظر كيف يسقط تلك (القطرات) على زجاج النافذة وكأنها (مخالب) تريد الخربشة على ما بقي من تجاعيد (العمر الباهت) لكي ترسم على وجهه معالم هو يرفضها لأنها ساكنة في (ذاكرة جردها الزمن) من مبادئ الحياة!
يعود منكسراً يقبع خلف مكتب بالٍ من الخشب رُسم عليه (الرجل الصيني) القديم الذي يعود للعهد (الاستعماري) الأول!
يسأل نفسه لماذا احتفظ بأشياء (عفا عليها الزمن) لِمَ أجعلها تستعمرني أنا أيضاً؟؟ يكفي استعمار شعوب بائسة رحلت!
يتمتم أسئلة (مؤلمة) لا يجد لها (في ذاكرته البالية إجابة) فقط صراعات (بإرهاصات كتب عليها الإنخذال).. سكون رهيب يلف محيط الغرفة ما زال (صامتاً) و(شارداً) فقط أصوات الرياح وأنين المطر الذي يجثم في أذنيه معلنة.. انهزام (المصداقية) وظهور (حماقات فكرية لم يبتدعها) ولم ينطق هو بها أصلاً لا يريد من أحد أن ينازعه على مسلمات هو مؤمن لا يريدها أن تنفك عن (ذاكرته الضعيفة)!! يلتفت.. يميناً.. يلتفت شمالاً فقط ظلام الغرفة ومطر منهمر.. وأصوات الرياح.. طأطأ رأسه سحب من أدراج المكتب علبة دخان سحب.. سيجارة بدأ ينفث منها قدر ما يستطيع لكي يخرج مع تلك السموم (أسئلة ميته) عالقة بأضلاع متهالكة لا يستطيع هو نفسه إخراجها بلسانه بل يريدها تحترق مع تلك الأدخنة المنبعثة من صدر لم يعد هو يطيقه!!مؤلم منظره.. عجيب أمره! كبرياء.. في زمن الأقوياء..
نظرات.. تائهة في عالم الصمت..!
ترجف معالم جسده أصبحت الغرفة باردة.. يجمع كل قواه يتحرك ببطء إلى سريره.. يرمي بذلك (الجسد) المشبع بأحزان تنصهر بدالخها أسئلة لواقع (مر) يضع رأسه يسحب البطانية من النوع الرديء يلتف بها لعله يجد الدفء (المفقود) منذ سنين؟
بينما يلف الغرفة (ظلام) وصمت مفزع! سقطت دمعة مغزولة بكبرياء الجرح من عينيه؟
- يا إلهي هذه الدمعة المشاغبة لي يقولها بكل (كبرياء)!! لا لا ربما قطرة مطر مازالت عالقة على وجهي وأنا بجانب النافذة تمرد على حياة مليئة (بوحدة قاتلة) وهروب أصدقاء مروا كأي طيف في منام حالم؟؟
عجيب أمر هذا الرجل.. حتى وهو أسير (كئيب) لا يريد الاعتراف بقسوة الزمن عليه ما زال (مكابراً) يحلم بقانون جديد يحمي حتى أخطاءه من الآخرين..؟
يصرح.. بأعلى صوته لا أحد؟؟
تقترب منه.. تريد إقناعه إن الزمن تغير! لا فائدة..
فقط.. جسد.. ملقى على السرير منذ أيام.. (جثة هامدة)