لقد اهتم أجدادنا منذ القدم بالفنون والعلوم والآداب اهتماما كبيرا، وكانوا شديدي الولع بالاطلاع على صنوف الثقافة والمعرفة. وقد برز كثيرون منهم، جمعوا بين العلم والفن والأدب والطب وشتي المعارف في عصرهم ذاك، ومن ثم استطاعوا أن يقدموا عطاء جيداً ارتكزت عليه الحضارة الإنسانية على امتداد العصور.
وإذا رجعنا إلى أدبائنا وعلمائنا وفنانينا هذه الأيام لنرى حجم العطاء نجد أنهم مقصرون إلى حد بعيد، فرغم الوسائل والأدوات ورقي التعليم وسهولة المواصلات وتوافر منابع الثقافة إلا أنه يندر أن نجد أديباً أعطى كما أعطى الجاحظ، أو نجد عالماً اجتماعياً أعطى كما أعطى ابن خلدون واضع أسس علم الاجتماع، أو نجد طبيباً خدم الطب كما فعل الرازي وابن سينا.
ولو تخيلنا العصر الذي عاش فيه أولئك العلماء والأدباء لاستحوذ علينا العجب ولأعطيناهم قدرهم وما يستحقونه من الاحترام والتقدير.. لم يكن في زمانهم من وسائل العلم الحديث كما في زماننا، فلا مدارس منظمة ولا معاهد ولا جامعات حتى ولا وسائل للقراءة والكتابة والترجمة والاطلاع.. ولكنهم مع كل ذلك استطاعوا أن يقدموا عطاء أدبياً وعلمياً وفكرياً عجز عنه كثير من أدباء وعلماء ومفكري اليوم وهم بما هم فيه من وسائل الحضارة والرفاهية والترف.
كان الأدباء مثلا في الماضي ينتقلون بكل مشقة من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر لكي يتعلموا شيئاً أو يسجلوا شيئاً، أو يرووا الأدب والأشعار كما يفعل الرواة العرب مثل حماد الراوية والأصمعي وغيرهما.
وكانوا يكابدون المشقات والأهوال بطرق المواصلات البدائية.. أما اليوم فقد توافرت المواصلات الحديثة وأصبحت الكتب والتراجم والمؤلفات وكل أنواع المعارف والعلوم متيسرة لكل من يريد البحث والاطلاع والتأليف، ومع هذا فقد طغت الحياة المادية على تفكير الأدباء وصرفتهم عن التأليف والتصنيف فلم يعطوا ما كان يجب أن يعطوه.
قد يقول قائل: إن أولئك الأجداد لم يكن لديهم مثل ما لنا من مشاغل وشؤون. ولكن هذه أعذار العاجزين؛ فلكل إنسان مشكلاته ومشاغله في أي عصر وفي أي مكان، ولكن همم أولئك كانت أكبر من هممنا وتطلعاتهم كانت أكبر من تطلعاتنا، وهذا هو الفارق الوحيد.
إنني أتساءل: ماذا كان يحدث لو وجد أولئك في زمننا؟ هل كانوا سيفعلون كما يفعل الأدباء الآن؟.. من يدري!
ابلغ المائة يا حبيبي:
بطاقة حب صغيرة تقول: ابلغ المائة يا حبيبي.. هذه القصيدة النادرة أرسلها الشاعر الكبير طاغور وبرفقتها وردة جميلة إلى غاندي فيلسوف الهند.
أحب طاغور الفلسفة والحكمة فتمنى لأصحابها طول العمر، وهذا هو الحب الحقيقي، وبقدر ما سمعت أو قرأت من شعر الحب وبطاقات الحب وشهادات الحب لم أتذوق أرق من هذه العبارة التي تتمناها كل حسناوات العالم.
الروعة في هذه الرسالة اللطيفة الرقيقة هي أنها لم ترسل إلى حسناء تتلف وتشيخ ويتجمد وجهها مع السنين المائة.. ولكنها مرسلة إلى رجل مفكر فيلسوف، والفكر والفلسفة أجمل من كل جمال.
ليت لنا أن نخفف من الحب الباكي الضعيف ونبحث عن حب آخر نهديه ورودنا، حب ليس كل رأس ماله الجفون الذابلة والشفاه المطيبات والشَّعر الحرير.
ليت شعراءنا يتغزلون بالحب الذي يحدث فينا رعشة الفكر والتأمل وحب الآخرين.. ولأننا لم ندخل هذه الآفاق المجهولة فقد تذبل ورودنا قبل أن نجد من نرسل له وردة مع عبارة الحب هذه: ابلغ المائة يا حبيبي!
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244