الوالد والمربي والأديب الكبير الأستاذ حجاب يحيى الحازمي لن أتحدث عنه كأديب؛ لأن هناك من سيكفيني في ذلك، ولكني سأتحدث عنه كمربي ومعلم عظيم ترك في نفوسنا أثرا كبيرا أثناء تعلمنا على يديه عندما كان معلما وعندما كان مديرا.. لم نكن نعرف الحوار ولم نكن نعرف الديمقراطية إلا مع هذا المعلم العظيم. لم أشاهده يضرب ولم أر عصا في يده طول أيام دراستي، كانت له طريقته الخاصة في النقد والتوبيخ لا زلنا نتذكرها.. ولا زال صدى تلك الكلمات يرن في آذاننا حتى الآن ربما كان وقعها أقوى من العصا وأكثر وأثرا من خصم الدرجات.
أذكر مرة أنني اختلفت مع أحد المعلمين على صيغة سؤال، وكان الحق معي في ذلك الموقف إلا أن الأستاذ أخرجني من الفصل.. فما كان من الأستاذ حجاب إلا أنه أقعدني معه في الإدارة طوال الحصة، ودار بيننا حوار طويل أثبت فيه مكانة المعلم وقدره ووفق بيني وبين أستاذي بطريقة مهذبة لن أنساها.
مرة كنا نتشاقى كطلاب ومراهقين.. وقف أحد الزملاء على الطاولة وظل ينشد ويغني وبيده منديل يتخيل أنه (أم كلثوم) فجأة انسل أحد الأشقياء من بيننا ليعلمه بالذي يحدث في الفصل كان يراقبنا من ثقب في النافذة.. رأيته وهو يضحك ويبتسم على شقاوتنا.. لم يطردنا من المدرسة.. ولم يضربنا كما يفعل الكثير من المديرين، بل أسمعنا بعض تعليقاته الساخرة.. لا زلنا نتذكرها.. كلما التقينا.. من هؤلاء الآن.. المعلم الناجح.. والطبيب والضابط.. وأستاذ الجامعة.
يوما ما.. أقمنا احتفالا عظيما بمناسبة فوزنا ببطولة السلة على مستوى المحافظة.. كلمات وإطراءات.. وفي النهاية كُرمنا بجوائز.. وأُثني علينا.. لكنه لحقنا بالفصل.. وأطلق ابتسامته العريضة ونظراته التي لا يعرفها غيرنا.. عندما اكتشف أننا فزنا بالبطولة بسبب أن الفرق التي كان من المفترض أن نقابلها.. كنا نفوز عليها بالانسحاب.. ولست أقول له إلا كما قال الشاعر (محمد منذر مصطفى):
يا مربي النفس.. يا خير مربي للعقول
عشت للأخلاق نبراسا.. وللعلم رسول
أنت يا ينبغ ضباء وبهاء.. أنت يا موسم حب وعطاء
أنت يا وجها حضاريا أصيلا.. دمت للأخلاق نبراسا وللعلم رسول