فاتحة
جميل - حد البهجة - هذا المسلك الثقافي الذي ينتهجه القائمون على المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة بإصدار الملفات المتخصصة عن الرموز الثقافية والفكرية قبل أن تتحزمهم المنون.
وجميل - حد بياض البياض - هذا الاختيار الموفق للحديث عن الشاعر والأديب والتربوي والمثقف الإنسان (حجاب الحازمي) ذلك أنه اختيار نابع من روح سمحة وعالية فياضة من لدن القائمين على هذا المحلق، ومعرفة بالرجال ومتى يكون تكريمهم وكيف يكون.. فشكراً في المبتدأ وفي الختام على هذه اللفتة الكريمة لرجل كريم.
وأما بعد..
فإن الحديث عن هذا الكريم والشهم والأخ العزيز صاحب التربية والأدب لا يمكن أن يكون مجاملة لأنه يستحق ذلك، ولا يمكن أن يكون تعريفاً وتوثيقاً فقط، ولكنه واجب يستحقه هذا الرجل الذي حفر في الصخر حتى أصبح رمزاً ثقافياً وعلماً أدبياً ليس في منطقة جازان فحسب، ولكن في ربوع مملكتنا الغراء.
ومن هنا فإن حديثي سوف يستلهم بعض آثاره المكتوبة ويتفاعل مع شخصيته المحبوبة، ويتثاقف مع أفكاره وطروحاته المتداولة والمعروفة.
وسأقف أولاً مع خاصية أعدها مفتاح شخصيته الثقافية، وهي المجال التربوي الذي خاضه معلماً وإدارياً ثم مؤلفاً عن التعليم في تهامة عسير، إذ يتداخل هذا الهم التربوي مع تواشجه المفاهيمي مع التاريخ، فهو ابن بيئة تاريخية ومن لا يعرف ضمد وتاريخ ضمد في العلم والتعليم والسياسة، فعليه بمراجعة الأدبيات التاريخية التي تناقش المسألة التاريخية في منطقة المخلاق السليماني (جازان حالياً).
إن كتاب (التعليم في تهامة عسير) فضاء تربوي - معرفي، يستنور بإضاءات التاريخ وصياغاته الأدبية، وقد صور عن نادي جازان الأدبي عام 1409هـ مطبوعاً، بينما هو في الأساس بحث قدمه المحتفى به للدارسين في دورة مديري المدارس المقامة في كلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ومن يطلع على المقدمة سيعرف السبب والفضاء الثقافي - التربوي الذي ولد فيه هذا المشروع الذي تحول بعد عدد من السنين إلى كتيب مطبوع ومنشور عن نادي جازان الأدبي كما أسلفت آنفاً.
وبمداخلة تثاقفية مع هذا المنجز أعترف بدءاً أنه سجل حضوراً لافتاً للمعنيين يرصد الظاهرة العلمية في منطقة تهامة عسير والمخلاق السليماني في فترة تاريخية مهمشة ثقافياً وتعليمياً، ولكنه استطاع أن يميط اللثام عنها ويوثق لتاريخها وفعلها التربوي الذي خرج كثيراً من العلماء ورجال الفكر والدين في تلك المنطقة مناط البحث والدراسة.
يكفي في هذا الحيز أن أقول إنه عرف بأنماط التعليم القديم في المنطقة التهامية، فهناك التعليم في المساجد، وتعليم الكتاتيب، وتعليم الهجرات والمراكز العلمية، كما عرف بأهم المدن العلمية في تهامة وأهم الأسر التي اشتهرت بالعلم والتعليم ومن تلك المدن ضمد، صبياء، أبو عريش، رجال ألمع، ومن تلك الأسر: أسرة آل الحكمي، وآل النعمي، وآل النعمان، والبهاكل وآل المعافى، والحوازمة، وآل شافع، وآل ابن عمر، وآل حنقى، وغيرهم كثير.
إن هذه الوقفة التربوية لرجل مثقف وتربوي وأديب مثل الزميل حجاب الحازمي، تدل على ثائب النظر، فهذا الموضوع بكر ولم يطرق من قبل بمثل هذه الخصوصية، ولكنه أقدم - رغم صعوبة البحث وندرة المصادر - إلى ركوب الصعاب، فأنتج هذا السفر التربوي الشاهد الثقافي والتربوي، رغم صغر حجمه وقلة عدد صفحاته، لكنه مفتاح لكل باحث مستنير يريد التوسع والاستزادة.
وأما حجاب الحازمي الأديب فهو ذلك الشاعر المحلق الذي دبج القصائد، وهو ذلك الدارس المحقق الذي قضى شطراً من عمره الثقافي يؤلف عن ابن هيتمل الضمدي الشاعر الجازاني، والحسن بن أحمد عاكش المؤرخ والشاعر الجازاني أيضاً، وله بعض الوقفات النقدية والمراجعات المعرفية التي تدل على رسوخ قدمه في المجال الأدبي.
وهو ذلك القاص المجيد الذي أبدع (وجوه من الريف) مما يؤكد حيويته الثقافية، فهو ما بين شاعر وناشر يتمدد ويتجدد مزهواً بإبداعاته الكتابية التي لا ترتهن أو تتوقف عند مجال أدبي دون آخر، إنه بحث علامة ثقافية بارزة في جنوبنا المعطاء في جازان بلد الشعر ومدينة الثقافة، ولعلي أختم هذه المداخلة مع وقفة نقدية لإحدى إبداعاته الشعرية قصيدة بعنوان: (جازان - القصيدة) التي يبدؤها بقوله:
ردي علي ترانيمي وألحاني
وغردي في أساريري ووجداني
ومتعيني بسحر منك أعرفه
يعيد لي ذكر أحباب وخلان
إلى أن يقول:
إني أناجيك شطآناً وأودية
وربوة وحقولاً طلعها داني
قصيدة أنت صاغ الحسن روعتها
كأنها لوحة صيغت بإتقان
وهمسة تستذيب الوجد ترفعه
عن كل ما في حياة الناس من شان
ويختمها بقوله:
جازان أمسُكِ وضاءٌ وحاضرنا
زاهٍ ويومك بالبشرى تلقَّاني
ففي هذا النص نلمس حميمية الشاعر مع المكان واصطفائه له بالحب والنجوى، وبثه مشاعر الألف والفخر، وبيان ماضيه وحاضره ومستقبله في نزعة وطنية صادقة لولاة الأمر الذين حولوا هذا المكان من طبيعته الماتعة بشطآنه وجزره ووديانه وميتائه إلى طبيعة أكثر متعة وتحضراً، حيث امتدت يد التمدن والتحضر إلى كل جزء من تلك المدينة - القصيدة - جازان.
في هذا النص يتجلى التلازم الروحي بين ذات الشاعر، وذات المكان (جازان) في سيمفونية من العشق الشاعري والوله الصوفي، حيث تبدأ الذات الشاعرة بأفعال الأمر (ردِّي، غردِّي، متعيني) حيث تخلق هذه الأجواء الآمرة فضاء من التداخل والتواشح بين الآمر والمأمور، ثم يبدأ مجال الوصف والتصوير، فالحفول طلعها دانٍ، والمكان قصيدة حسنة، وهمسة حالمة ومعنى لطيفاً أخاذاً.
كل تلك الفضاءات الشاعرية تنتهي بشاعرنا إلى تقرير شاعري يحمل أمس المكان المضيء وحاضره الزاهي ويومه المبشر بغد ناصع وجميل.
لا فض فوك أيها الشاعر المحلق والمبدع الرائع!!
ختام
وما بين أعوام ثلاثة يتشكل العقد المضيء لأخي الأديب حجاب الحازمي، فعام 1364هـ ولد في ضمد ثم نشأ وترعرع، فنال من العلم والمعرفة والأدب ما كانت تضفيه وتصطفيه هذه المنطقة المبدعة أدباً وثقافة وعلماً وشعراً وتاريخاً.. إنها منطقة المخلاق السليماني قديماً وجازان حالياً.
وعام 1389هـ دخل الحياة العلمية معلماً بعد أن نال الشهادة الجامعية، فمضى في درب الثقافة والفكر طالباً للعلم والثقافة ومبدعاً ومنتجاً لها، فصنع كيانه الثقافي وسار في درب الثقافة حتى أصبح عضواً في نادي جازان الأدبي ثم رئيساً له فترة طويلة من الزمن حقق فيها نادي جازان كثيراً من الإنجازات الثقافية.
وعام 1427هـ يودع حياة الأندية الأدبية في جانبها الإداري عندما يتشكل مجلس إدارة نادي جازان الأدبي الجديد، ويحل ابنه الدكتور (حسن) في رئاسة النادي بشكل اختياري من زملائه أعضاء المجلس، وهنا يتحرر المثقف والمبدع حجاب الحازمي منتظرين منه ما وعد بإنجازه من مخطوطاته الأدبية والثقافية، فلعل الصحة والزمن والوقت يسمحون بما ننتظره من الرجل الكريم، وفي هذا العام تأتي هذه الاحتفالية من ملحق الثقافية لنقول للمحسن أحسنت وأنت على قيد الحياة!!
دم سعيداً أخي (حجاب)، ولك مني الدعاء الصادق بطول العمر في صحة وعافية وسلامة ودين وأخلاق وأمانة، وإبداع ثقافي وعطاء معرفي متجدد ومتميز.