كل الناس تعرفه، من مختلف الفئات والبلدان، كبار القوم، المثقفون، القراء العاديون، حيث يجد الجميع في مكتبته الشهيرة ما يبحث عنه من أنواع الكتب التي عاش شيخ الناشرين المصريين محمد مدبولي طيلة حياته ومنذ الخامسة من عمره، وحتى اشتعل الرأس شيباً، وهو يحمل رسالة نشر العلم، والتنوير والثقافة، كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، لكنه علم نفسه بنفسه، حيث بدأ بائعاً للصحف، إلى أن أصبحت مكتبة مدبولي التي يمتلكها من أهم المعالم الثقافية والفكرية، حيث نادراً ما يذهب أحد لزيارة القاهرة، أو أي طالب جامعي، أو قارئ من عموم الناس، ولا يمر بتلك المكتبة التي تضم بين جنباتها مليوني عنوان، والتي يفخر صاحبها أنه يعرف معظم الوزراء والمسؤولين والمثقفين والأدباء والشعراء في العالم العربي وهذا حوار معه.
* كيف بدأتم العمل في حقل النشر والاتصال مع الكتاب؟
- كنت في بداية المشوار بائعاً متجولاً للصحف، وكان عمري إذ ذاك لا يتجاوز خمس سنوات، بعدها امتلكت كشكاً لبيع الصحف والمجلات الأجنبية في حي يسكنه أجانب، وكان ذلك قبل عام 1952، وحتى العدوان الثلاثي، حيث بدأ الأجانب يهاجرون من مصر، وقمنا بشراء الكتب الأجنبية وهذه تعد محطة مهمة، ثم جاءت فترة ازدهار الكتاب العربي أيام عبدالناصر، حيث التوجه الموجود بناء البلد الثقافي ففي كل 6 ساعات يصدر كتاب جديد، وقد تسلم وزارة الثقافة اثنين من أفضل وزراء الثقافة وأنشطهم، وهما ثروت عكاشة، وعبدالقادر حاتم، وفي عام 1958 بدأت أدخل عملية النشر من كشك صغير استأجرته من نقابة الصحفيين، وفي ظل تلك النهضة الثقافية كنا نبيع 500 نسخة من الكتاب في اليوم الواحد. ثم بدأنا بالانفتاح على بيروت، وكان نشاطنا متعدداً مع بعض الناشرين اللبنانيين لطباعة ونشر الكتب المشتركة، وفي العام 1966 افتتحت مكتبة مدبولي الحالية في شارع طلعت حرب.
* أراك ما زلت تمتلك حماس الشباب رغم مضي أكثر من 60 عاماً وأنت في هذه المهنة من بائع صحف إلى صاحب أكبر مكتبة في مصر والعالم العربي؟
- إنني أقوم بخدمة العلم، وأؤدي رسالة التنمية الفكرية والثقافية للمجتمع، لذا فإنني لا أمل، بل أبقى دائم التجدد والحيوية، وأعشق القراءة والكتاب.
* ما نوعية الكتب التي تنشرونها؟
- جميع أنواع الكتب باستثناء الدينية الملتبسة، وكتب الجنس الفاضح.
* من يرتاد مكتبتكم في العادة؟
- المائدة لكل الناس، لا حجر على فكر ولا عقل، دورنا هو التركيز على العقل.
* هل تتعاطون مع كتب السحر والألغاز؟
- مكتبة مدبولي لها سمعة كبيرة، ولا نتعاطى مع الكتب الرديئة.
* ما الآلية التي تقيمون بها الكتب الصالحة للنشر من غيرها؟
- لدينا لجنة تقييم الأعمال التي تجتمع في شهر إبريل نيسان من كل عام، وتقرر الكتب الصالحة للنشر، وعلى كل حال فإن الكتاب الجيد يفرض نفسه.
* كم عنواناً جديداً أحضرتم معكم إلى الإمارات في معرض أبوظبي للكتاب؟
- 120 عنواناً في كل التخصصات الإدارة، الاقتصاد السياسة التاريخ والأدب.
* من هم أصدقاؤك الذين مروا على مكتبة مدبولي؟
- من أهم أصدقائي الأدباء نجيب محفوظ، أنيس منصور، توفيق الحكيم، جمال الغيطاني، الشاعر أحمد فؤاد نجم، الشاعر أمل دنقل، ونجيب سرور، أما بالنسبة للسياسيين فالعديد من المفكرين والحكام كانوا يتعلمون في مصر وكانوا يمرون على المكتبة وكانت تربطنا بهم علاقات جيدة.
* ما رأيك بالفترة الحالية على مستوى الإنتاج من الكتاب الورقي وخصوصاً أن البعض يرى أن هناك تراجعاً كبيراً في هذا المضمار؟
- العكس هو الصحيح أنا لا أنظر إلى الأمور من هذه الزاوية، صحيح أن للكتاب قيمة كبيرة في السابق لكن ما زال الكتاب الورقي سيد الساحة بلا منازع وعليه إقبال كبير وهو مواكب لعملية التنمية والتطوير الثقافي، لقد انتشرت المعارض كثيراً ودور النشر والثقافة والمكتبات العامة والخاصة.
* الجيل الجديد يفضل الكتاب الإلكتروني والجلوس أمام الإنترنت لسهولة الحصول على ما يريد قراءته ولأن سعر الكتاب المطبوع مرتفع نسبياً ما رأيك؟
- ربما يكون سعر الكتاب ارتفع، والثورة المعلوماتية قفزت قفزة كبيرة في حياة الناس، لكن هذا لا يعني اضمحلال الكتاب الورقي واختفاءه، فما زال هذا الكتاب بمضمونه وطباعته الأنيقة الجاذبة هو سيد الساحة القرائية.
* هل تتعامل مع الكتاب الإلكتروني؟
- لقد أصبح لدي عشق كبير بالكتاب الورقي الذي يحافظ على قيمته واعتبره سيد الساحة الثقافية لذا لا أستطيع الفكاك من هذا العشق الأبدي بيني وبين الكتاب المطبوع.
* ما آخر كتابٍ قرأته؟
- أعيد قراءة (عبد الناصر والعالم) لمحمد حسنين هيكل، حيث تستهويني الكتب السياسية.
* لماذا؟
- أنا ابن هذا المجتمع، والناس تأكل وتشرب سياسة وكل يوم هناك مصطلحات وأشياء جديدة في عالم السياسة.
* ما رأيك في مهمة المستشرقين عندما يزورون المكتبة ؟
- إنهم يزورون مكتبة مدبولي باحثين عن الحقيقة التي يريدونها وهدفهم علمي أكاديمي بحت.
* ما شكل العلاقة بينكم وبين هؤلاء المثقفين الغربيين ؟
- علاقة ممتازة فنحن نبحث عن الجديد في العالم من أجل التواصل بين المجتمع العربي والغربي.
* هل ثمة عراقيل تواجهكم كناشرين في العالم العربي أم أن حرية النشر متاحة في جميع البلدان العربية؟
- لا يوجد هنالك أية عراقيل تذكر، ونحن راضون تماماً، وجميع الجهات توفر لنا الأجواء والظروف المناسبة التي تساعدنا على نشر الكتب وترويج ما لدينا من سلع فكرية وثقافية.
* هل ترى أن في زمننا هذا انحصار لمستوى الإبداع؟
- لا نستطيع القول بانحصار الإبداع، ولكن لتغير أشكال هذا الإبداع، ففي الماضي كان الشعر هو المتصدر للساحة الإبداعية أما اليوم فإن الرواية هي الأكثر رواجاً، وقلما يلتفت الناس إلى الشعر وهم يركزون على الكتب السياسية إضافة إلى الكمبيوتر والإنترنت.
* هناك غلاء في أسعار الكتب؟
- ربما بسبب ارتفاع الورق والأحبار وغيره، لكن هذا ليس على حساب الثقافة، صحيح أننا نتطلع إلى الربح لكننا نسعى أيضا إلى إيصال المعرفة والكتاب الجيد إلى الناس.