في هذه الليلة من ليالي مهرجان (عنيزة) الأول للثقافة والتراث، الذي يحتضن هذه الندوة عن الدور التربوي والثقافي والتاريخي للأستاذ عبد الرحمن إبراهيم البطحي.. أستميحكم العذر في أن لا أحدثكم عن حياة الأستاذ عبد الرحمن البطحي التي تعرفونها وتعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها وفيها بأكثر مني، لأنني لو فعلت ذلك.. لكنت كمن يبيع التمر في هجر أو من يبيع الماء في (حارة السقايين)، لكنني سأحاول في المقابل أن أقدم قراءة فكرية اجتهادية للسبعين عاماً التي أمضاها من حياته بيننا وبين جفني ساحرته.. مدينته (عنيزة).. التي خلبت ألباب من جاؤوها من الشرق أو الغرب فهاموا بها، وكان هو أسبقهم هياماً بها، وعشقاً لها.. رغم سبقهم.. وإلى أن غدر بنا قدره فمات في لحظة توقعنا إبلاله.. ورجاؤنا في أن يفي بوعوده التي قطعها للخلّص من أصدقائه وأحبائه.. في كتابة تاريخ عنيزة، وعدم الاكتفاء بملحمته الشعرية (هذي.. عنيزة) التي قدمها أجمل وأذكى تقديم عندما قال: (لكل إنسان الحق المطلق بأن يفخر ويعتز بتاريخ بلده وبأفعال أهله المتميزة - إن وُجد - لا بقصد الادعاء ولا بقصد التعالي على الغير والاستهانة بهم، وإنما بهدف ممارسة الحق الطبيعي وتثبيته، ومن يدّعي احتواء ومبررات الفخر وحده دون غيره، فهو تافه مغرور كالديك الذي يظن أن الشمس لا تشرق إلا لكي تستمع إلى صياحه)!!
إن مصادري في هذه المحاولة أو خريطة طريقي إليها ليست كثيرة ولا متشعبة، إنها تنحصر في ثلاثة: في ذلك (اللقاء الصحفي) المطول الوحيد والجميل والعميق الذي فاز بإجرائه معه تلميذه وصديقه الأستاذ محمد السيف رئيس القسم الثقافي بجريدة الاقتصادية، وفي ذلك (العدد) من المجلة الثقافية الصادر عن صحيفة الجزيرة بعد سبعة عشر يوماً من وفاة الأستاذ البطحي، الذي حمل عنوان (سبعون)، تحت (البورتريه) الذي رسمته للأستاذ البطحي ريشة الرسام أحمد الشيمي.. إلى جانب مئذنة (جامع الجراح) الأثري التراثي، الذي مات الأستاذ البطحي وهو يصر على أن يستبقي اسمه دون تعديل.. لأنه من (ثوابت تاريخ المدينة (عنيزة) التي يجب أن تبقى على امتداد الأجيال المقبلة)، وفي تلك (اللقاءات) الحميمة الثلاثة التي أجريتها معه وما تبعها من محادثتين هاتفيتين بدءاً من خريف عام 1324هـ إلى أن صعقنا قدر وفاته، والتي حملتني إليها فرصة مجيئي لعنيزة ثانية لاسترجاع الأزمنة والتعرف على الأمكنة التي شهدت ولادة تلك الشخصية السياسية المحورية الكبرى في حياة الوطن التي اعتزمت الكتابة عن حياتها كتاباً تاريخياً موثقاً: أين عاش؟ وكيف عاش؟ وماذا فعل عندما دارت به الأيام وأصبح نجم نجوم حكومة الملك عبدالعزيز بعد ضم الحجاز..؟
عندما وصلنا في تلك الزيارة الخريفية الأولى.. أحاطت بنا كوكبة من شيوخ ورجال وشباب عنيزة بكرمهم وسماحتهم، بعاطفتهم وعفويتهم وتدفقهم الإنساني غير المحدود.. لتنعدم المسافات بيننا في دقائق.. ولأسألهم مجتمعين أو لأسأل أحد شبيباتهم إن كان بإمكاني أن ألتقي بشخصية أو شخصيات من أبناء عنيزة العالمين بتاريخها علّي أجد من بينهم من يساعدني بتاريخ شفوي غير مكتوب عن تلك الشخصية أستكمل بها صورته غير المكتوبة عن مسقط رأسه وأيامه الأولى فيها..؟
فكانت إجابتهم مجتمعين وفرادى.. نعم. إنه هو ولا غيره: (أبو إبراهيم) الشيخ عبد الرحمن البطحي، الأديب والشاعر والمؤرخ النسَّابة التراثي المعاصر، مدير المدرسة السعودية الذي تقاعد مؤخراً، والذي سيسعده حتماً أن يلقاك.
بعد أن انفض مجلسنا.. كنت أطرق باب منزله بموعد ترتب عبر الهاتف في دقائق، ليرحب بي بحرارة من يعرفني تماماً، وقد أخجلني أنني لم أكن أعرفه بذات القدر.. ولكن بعد فنجان الشاي الأول كنت قد عرفته.. وبعد الثاني كنت قد أحببته.. وبعد أن امتد بنا الحديث أدركت مجدداً معنى (النسب) الذي تحدث عنه شاعر الجزيرة العربية امرؤ القيس.. عندما قال:
أجارتنا إن الخطوب تنوب
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا أنَّا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيب
من خلال تلك المصادر على قلتها.. وعبر تلك الخريطة على قصرها، كانت ترتسم أمامي صورته العلمية والعملية، الفكرية الوجدانية.. بسعيها المعوّض، وطموحها المتحقق.. غير المعترف به من قبل صاحبه، بانكسارها وصمتها، بشفافية عدلها مع الخصوم وامتناعها عن مداجاة الأحبة بما لا يستحقون.. بعزوفها وهروبها من كلمة تُكتب فتُحسب.. إلى كلمة تطلق في الفضاء فيبددها الهواء وقد تستقر في عقل يحتويها.. أو قلب يؤمن بها، لقد سمعت نبض قلبه عربياً يتدفق، ورأيت في بريق عينيه.. بقايا لا بل شظايا أحلام لم تتحقق، ثم انقشعت سحب الصمت السوداء.. ليجري ماء النهر: فكراً عذباً سائغاً مترسلاً، بادئاً من التاريخ والأدب والفكر الاجتماعي والسياسي.. منتهياً إلى الشعر بفصيحه ونبطه.. إلى المواقع والمواضع.. إلى الصحراء بجبالها وأوديتها وخبوبها وباديتها وإنسانها الفطري النقي الذي لا يعرف الترهل لفظاً وشكلاً (فمن شاهدهم يكون قد شاهد الشخصية العربية النقية بقيمها وتقاليدها.. وشاهد فيهم الصحراء العربية.. بهيبتها وعظمة كبريائها).. لتكون هذه الكتلة البشرية الحية النابضة في النهاية.. هي هذا البطحي: سقراط عنيزة.. وفيلسوفها.. والمتحدث الثقافي عنها أو كما قال الصديق الدكتور عبد الله الغذامي: سيد المجالس.
فإذا كان الفنانون التشكيليون يقولون بأن أول خط في اللوحة.. يرسمها، وإذا كان النحاتون يؤمِّنون على قولهم.. بأن أول ضربة أزميل في كتلة الصخر أو المرمى تصنع التمثال، فإن أول صدمة تلقتها حياة الشاب عبد الرحمن البطحي في السبعينيات الهجرية - الخمسينيات الميلادية من القرنين الماضيين، هي فصله من المدرسة الإعدادية قبل أن يتمها ودون ما سبب إلا (أنه أدرك واجبه الوطني في تلك السن المبكرة) وعمل على (بث الروح الوطنية عن طريق نشر الوعي والثقافة)، وكان جل سعيه في سبيل العودة إلى مدرسته بعد أن حصل على (الإعدادية) من منازلهم أن قيل له ب(عليه أن يُطع ويمتثل)، فاستجاب مكرهاً وامتثل مرغماً لتكون تلك (الصدمة)، هي الخط الأول في اللوحة بلغة التشكيليين، وهي ضربة الأزميل الأولى بلغة النحاتين..!
كان طبيعياً لهذه النفس الطموحة أن لا تقف عند مبرر (طَعَّ وامتثل) المتهالك، ليسافر إلى (بيروت) وهي تغلي بأحداث الخمسينيات السياسية، وتشرع أبوابها على كل الاتجاهات والمدارات وهي تجعل من مشروع (التنوير) منهجاً ودعوة لأبناء الأمة العربية جمعاء.. لا فكرة نخبوية، تتداولها مجالس قلة من المفكرين والأدباء.. ليثقف نفسه، وليدرس الإنجليزية دون دراسة نظامية، وليقرأ ويسمع ويحاور ويتعرف على تلك الرموز الثقافية والفكرية (الودودة والخطرة.. كما قال) من أمثال مارون عبود وجورج حنا ومنير بعلبكي ودار العلم للملايين التي كانت مطبوعاتها المحرمة في أسواق المملكة آنذاك أندر من اللالئ السوداء.
لقد كان سفر هذا الشاب الطموح والمصدوم إلى بيروت في سنوات مجدها وغليانها وما يصب فيها من فكر قومي ملتهب.. يشكل الخط الثاني في لوحته.. وضربة الأزميل الثانية في منحوتته، لتحله رغبة التعويض من جانب، والمعايشة والمعاشرة من جانب آخر.. لقطع عشرات الأميال على مختلف دروب المعرفة: أدباً وتاريخاً وفلسفة وشعراً وفكراً سياسياً قومياً.
لقد كان طريفاً في تلك الرحلة الشبابية البريئة والمندفعة أن يحمل معه إلى بيروت كتابين: (ديوان الرصافي) وكتاب (جوهر الأدب).. ليعتذر بعد لأي من الوقت عن ارتكابه لجريمة حمل كتاب إلى بيروت، مدينة الكتاب العربية الأولى منذ تلك الأزمان وإلى يومنا هذا.
عندما عاد (البطحي) من رحلته إلى بيروت.. كانت الظروف السياسية قد تغيرت بعض الشيء بما سمح بتعيينه مدرساً للتاريخ بالمدرسة التي فُصل منها، ليرتقي بإمكاناته وحجم معرفته سلم الوظائف التربوية فيها سريعاً إلى أن أصبح مديراً لها، وكان متوقعاً أن ينتقل بعد قليل أو كثير من الأعوام.. إلى وظيفة تربوية أعلى سواء في منطقته أو خارجها أو في مقر الوزارة بالعاصمة.
إذ لم يكن في ذلك الوقت من أوائل الستينيات نظراء كثيرون مثله، لكنه مع ذلك بقي في تلك الوظيفة أعواماً بعد أعوام حتى بلغت أربعة وثلاثين عاماً، ليشكل هذا البقاء الطويل بمعناه ومغزاه.. الخط الثالث في لوحته - في منحوتته، لكأنهم أرادوه سجناً لا يُلامون عليه.. فجعله بإدراكه ووعيه وموسوعيته العلمية حقلا أخضر يانعاً، فقد رأى في أولئك البراعم الصغار الذين كانوا يفدون إليه كل عام فرصة لاستبدال (سريج التنك) في رؤوسهم بشموع العلم والمعرفة والتنوير، ليقول عن تلك السنين الطوال (التي قضاها مع تلاميذه من أبناء عنيزة، بأنها التاج الذي يضعه على هامته)، فكانت سعادته لا تقدر بأموال الدنيا كلها.. عندما كبر أولئك الصغار وتخرجوا وعادوا إليه ليحاوروه ويناقشوه، يعطونه ويستزيدون منه، ليقول فيما بعد قوله الجميل والكبير: (ما ألذ وأحلى أن يتناول المرء غداءً.. له بعض المساهمة في إنتاجه وإنضاجه)..!؟
مع هذه السنوات الطوال التي أمضاها الشيخ عبد الرحمن البطحي في التربية والتعليم في عنيزة.. إلا أنه لم يدّع بأنه (أب التعليم في عنيزة) أو في غيرها من مدن القصيم، بل قال طواعية باعتراف وعرفان تبجيلي.. ب(أن أب التعليم الرسمي في عنيزة هو الشيخ صالح بن ناصر الصالح).. وأن أب التعليم الحديث (ليس في عنيزة وحدها بل في بلاد نجد كلها.. هو الشيخ المعلم صالح بن عبد الله القرزعي)، الذي افتتح مدرسته الأهلية الأولى عام 1338ه.. لتتحول بعد وفاته بثمانية عشر عاماً إلى أول مدرسة حكومية، ولتصبح نواة التعليم في (عنيزة).. ليشكل هذا الخط الأبيض، النقي الناصع رابع خطوط لوحته.. منحوتته في قلب الحياة، وقلوب محبيه وعارفيه ومريديه من داخل عنيزة وخارجها، إذ لا أظن أن أحداً ممن يعنيهم شأن الوطن أو الأمة من القادمين إلى عنيزة.. إلا وذهب للقاء الشيخ (البطحي) والحوار معه والاستماع إليه.. والاتفاق والاختلاف معه.. والأخذ منه في النهاية.
لقد كان زواره وقاصدوه على الدوام ومن خارج عنيزة والمملكة على وجه الخصوص.. من الأدباء والمثقفين والدارسين وأصحاب رسائل الماجستير والدكتوراه، ولعل أحد أبرزهم كان هو: (البروفيسور) الدكتور دونالد كول.. الذي قدم لزيارته في أواخر الستينيات للاستفادة منه في تحضيره لرسالة الدكتوراه عن (البادية في المملكة)، وبعد أن حصل عليها.. عاد إليها وإليه ثانية في أواخر الثمانينيات الميلادية لمساعدته في بحثه (الإنثروبولوجي) الذي قرر إجراءه مع زميلته في جامعة بيركلي الأمريكية الدكتورة ثريا عبد الله التركي عن (عنيزة) كنموذج لما تحدثه (التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية).. ليظهر كل ذلك في واحد من أجمل الكتب وأصدقها وأدقها وأشملها عن (عنيزة).
لقد أشهر الدكتور كول إسلامه فيما بعد.. وشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولست أدري إن كان إعجابه ب(البطحي) وفكره وثقافته الموسوعية وحياته بين رمال الصحراء وأوديتها.. هو الذي قاده إلى الإسلام أم لا، لكن أسعدني حقاً ما قاله عن البطحي برؤية عالم الاجتماع وأستاذه بأنه (رجل موسوعي، ومؤرخ حقيقي، ومفكر راصد بدقة للمتغيرات الاجتماعية) وعندما علم بوفاة الشيخ البطحي بعد ذلك.. قال: (إني أشعر مع رحيله بالحزن العميق، وأؤكد أن المملكة افتقدت مؤرخاً ومفكراً كبيراً بوفاة عبد الرحمن البطحي).
تردد الأستاذ عبد الرحمن البطحي كثيراً على (القاهرة) و(بيروت) بامتداد الستينيات وحتى منتصف السبعينيات بحثاً عن كتب أو لقاء مثقف أو أديب.. أو نسمة هواء يستنشقها، ورغم تزامن تواجده في القاهرة - في بعض تلك الرحلات - مع تواجد الفيلسوف والمفكر والكاتب العربي الكبير الأستاذ عبد الله القصيمي الذي أقام بها منذ أن غادر القصيم.. إلا أن البطحي لم يلتق به، وكان سببه في عدم اللقاء هذا أنه (لم يكن مقتنعاً برؤيته ولا بطريقته في الطرح التي استنتجها ممن يلتقون به ومن قراءاته لعدد من كتبه الرئيسية المكثفة).. لكن مع ذلك قدم أجمل تعليق معارض للقصيمي وفكره عندما قال: (من يقرأ القصيمي يجده غواصاً ماهراً في لجج الأفكار، ومحلقاً في التوصيف والتحليل، ويرى فيه بعض قراءه أنه يُلغي ولا يُثبت، وأنه يعكر الماء ولا يؤمِّن البديل)..!
وعندما دارت الأيام.. وقدم الدكتور فيصل بن عبد الله القصيمي للعمل بمستشفى عنيزة، دعاه أحد زملائه الأطباء لزيارة الأستاذ البطحي في منزله.. فكان كل علمه عنه آنذاك أنه مدير مدرسة متقاعد، لكن عندما جلس ثلاثتهم على الأرض وأخذ البطحي (يتحدث عن الأمم والممالك والحرب العالمية الأولى، وأحوال نجد وحروبها، ومنازل القبائل والوديان، ودروب الصحراء والهجر والماء والطير والحيوان، وغدر العرب ونخوتهم، ودعاء نفوسهم وسماحة قلوبهم).. كانت روح الدكتور فيصل وعقله تطيران.. وتحلقان في سحر حديث البطحي وروعته وكأنه يعيش (لحظة أن أغار لورنس العرب على العقبة أو نسف خط حديد الحجاز) أو كأنه (يسمع أهازيج وأشعار الإخوان وهم يواجهون طائرات الإنجليز ومدافعهم الرشاشة التي لم يعرفوها من قبل).
ومع انتهاء اللقاء.. فاجأه الأستاذ البطحي بعد أيام ليصحبه في جولة بقرى القصيم، وكان هدف هذه الجولة هو أن يريه (خب الحلوة.. مسقط رأس والده الأستاذ عبد الله القصيمي)..!
إن مزيج الاختلاف في الرأي، والاعتراف بقيمة أصحابه، والحنو على تاريخهم.. بهذه الصورة الباهرة، يرسم أمامي الخط الخامس الذي تكتمل به لوحته.. أو ضربة الأزميل الخامسة التي تضع اللمسة الأخيرة على منحوتته، لنرى لوحته الفكرية في تمام إشراقها.. ونتحسس ملامح منحوتته فنسمعها وكأنها تتكلم ونراها وكأنها تبتسم.
رغم أن الأستاذ عبد الرحمن البطحي.. قد بدا طوال سني حياته كما لو أنه احتوى صدمة شبابه الأولى.. وتجاوز آثارها بتلك الشبكة المعرفية الموسوعية المرهقة في شتى العلوم والفنون والآداب، وبتلك العلاقات الثقافية العريضة والمتعددة، وبذلك التعالي على طلب الشهادات والركض خلفها، وقد نجح في كل ذلك.. إلا أن رواسب من الخوف والشك والحزن العميق ظلت خلف نضارة فكره، وحيوية مواقفه، وموسوعية معارفه.
لكأن تلك الرواسب هي التي حملته على أن يدع القلم.. وهو الأكتب، وأن لا يقف خلف ميكرفون.. وهو الأقدر، وأن لا يظهر في قناة فضائية أو على ظهر صحيفة أو مجلة.. وهو الأجدر.
نعم.. لقد كان الأستاذ عبد الرحمن البطحي على حق عندما أجاب عن سؤال الأستاذ محمد السيف أين يجد نفسه، في الشعر أم في التاريخ أم في الفكر أم في الثقافة العامة؟ قائلاً بأنه (يجد نفسه فيها جميعها) و(إن له في كل فرع منها كرسياً، وطاولة، وقلماً، وكراساً)..!!
ولكن يبدو أن تلك الرواسب ولا غيرها.. هي التي جعلته لا يستخدم كل معداته تلك، فيؤثر الصمت.. نشراً، والاكتفاء بحوارات منزله ومطلته.. حديثاً فإذا طلبت الصحافة منه لقاءً اعتذر ب(أنه ليس لديه ما يقوله).. وإذا طلبت منه صورة امتنع قائلاً: (إنني لا أرغب في أن ينفصل عني ظلي)..!
.. حتى رحل دون أن يترك كتاباً نقرأه له.. أو صورة نراه منها.. سوى أصداء حواراته.. في فضاء منزلها ومطلته، ليأتي دور تلاميذه ومحبيه ومريديه.
* أُلقيت في ندوة مهرجان عنيزة الأول للثقافة والتراث الأول مساء الخميس 24- 3-1428هـ - 12-4-2007م.