رواية جديدة للكوني تدور حول حكايات الصحراء، هذا العالم الذي استوطنته كتابات الكوني منذ ثلاثين عاما. يسرد في (يعقوب وأبناؤه) قصص الملوك والمماليك يستعيرها الكوني من التاريخ يفلسفها ويعيد كتابتها من وحي خياله، ليستوقف القارئ عند محطات، عند منعطفات وعند شخصيات تجعله يستعيد ومن خلال يعقوب وأبنائه حكايات رويت عن أحد الملوك أو السلاطين في زمن العثمانيين .
من الرواية: (لم تصدق الحسناء ما رأت. لم تصدق فقررت أن تبحث عن سبب الكارثة في المرآة. فتشت عن المرايا ولكنها لم تجد في القصر المرايا.
ذهبت إلى البستان ووقفت على مستودع المياه. هناك على مرآة الماء، رأت عدواً ولم تر في الماء وجهها. رأت الزمان مجسداً بعد أن كشف لها عن وجهه. لم تحتمل المسكينة أن ترى نفسها وقد تماهت مع هذا اللغز المسمى زماناً فقررت أن تضع حداً لهذه الإهانة. ألقت بنفسها في صهريج المياه. وعندما افتقدها الخدم بحثوا ليجدوها طافية فوق الغمر كانت قد لفظت أنفاسها! سكت الباشا. أغمض عيناه ثم فتحهما قبل أن يتساءل: وهل تدري من هذه المرأة؟ لم يجب الأمير فقال الباشا: إنها جدتي زينوبة! هتف حسن بك: زينوبة؟ بل زينوبة الخرافية التي ارتكب الجدّ الأسطوري أحمد الأكبر في سبيلها جريمته الأولى يوم أمر بطعن زوجها الأول خليل الأرناؤوطي غدراً! ساد صمت. تساءل الأمير أخيراً: ماذا تريد يا أبتي أن تقول؟ أجاب الباشا ببرود: أردت أن أقول إن المرآة ليست مرآة الجدار، ولكنها مرآة القلب! الحق أني لا أفهم. تستطيع أن تضيف لمرآة القلب مرآة أخرى. ألا وهي؟ عيون الناس. أطلق الأمير ضحكة. ولكن الباشا لم يلتفت. أضاف: إذا قررت أن تخدع نفسك وتتجاهل مرآة القلب فعليك بمرآة الناس. عليك بعيون الناس التي لا تخفي خافية.
هل جرّد مولانا القصر من المرايا لكي يستبدل مرايا الحيطان بمرايا الوجوه؟ بلى!. ولكن لماذا؟ لأني لا أريد أن أبصر وجهي. هذا كل ما في الأمر! تساءل الأمير بلهجة عجز: ولكن لماذا على مولانا أن يكره رؤية وجهه؟ زفر الباشا أنفاس الإعياء. قال: لا أعرف. ربما لأنه يذكرني بضعفي! صمت الابن فأضاف الأب: يخيل لي أني سأكره نفسي يوماً فيما لو مضيت في رؤية وجهي في المرايا! سكت لحظة قبل أن يكمل: ويوم أكره نفسي لا أريد أن أعيش! حقد الابن في وجه أبيه غائباً. ساعتها فتح الباشا عينيه فتحررتا من الجفنين الثقيلين لأول مرة. التفت إلى الابن ليقول: هل فهمت الآن لماذ طردت المرايا من ديار القصر؟!).
يقع الكتاب في (263) صفحة من القطع المتوسط.