في الظلام ينشغل بتأمل القمر، جماله الساحر، تلك التغيّرات التي تحدث له خلال الشهر الهجري، من بدر كامل إلى أن يصل نصف دائرة صغيرة تنطفئ، وهو لا يريد أن ينطفئ، حارس أمن، يحمي المبنى بمن فيه، وكافة المارين، من يدخل أو يخرج.
في الضوء ينشغل بمراقبة الناس، هؤلاء البشر، بكل ما فيهم من تناقضات وتباين، في ملبسهم وهيئاتهم، يستمتع بتغير مواعيد الدوام من نهار إلى ليل، يبتسم لكافة من يمر به، ذات مساء بائس ابتسم لامرأة فصرخت في وجهه:
- قليل أدب، ماذا تريد مني؟
فتجهم وجهه.
(2) حان الوقت ليطير
ساحة مكتظة بالبشر، يمارسون هواياتهم المعتادة في إطلاق الحمام، كأنهم يطلقون حرياتهم إلى السماء، الحمام الصديق الحميم، للوهلة الأولى يرتعش خوفاً ثم يسكن راحات الأكف موارباً خجله ويفرد جناحيه مطلقاً العنان للحريات..
ساحتك يا دارً تتشح بالبياض، تشرئب لرؤية كل مخلوق، تضيق بها المساحات فتنتشلها الدهشة من السقوط، تنطلق فيها العصافير مغردة، فاردة جناحيها، فقد حان الوقت لتطير.
(يطير الحمام ليغوي الحمام، ونحن نطير إلى أن نضيع)
(3) كرسي فارغ
تلقت دعوة للمشاركة في اللجنة الثقافية النسائية، شعرت بسعادة مفرطة، وهي تلج الصالة، كثيرات هن اللواتي يتمنين رؤية الشاعرة الكبيرة.
الشعر صهوة جواد، ينطلق بها إلى الآفاق، يكسر الرتابة، يحطّم القيود، يؤنس وحدتها التي تسكنها..
داخل الصالة مجموعة نسوة، سألت إحداهن:
- ألا يوجد شعر، أين الشعر..
- في بيت الشعر الذي أمامك..
نظرت، شاشة كبيرة أمامها، تصوّر بيت من الشعر، إنها قاعة الرجال، لا يوجد حراك بذلك البيت، الشاشة التي تربطهن بالرجال لا تنقل شيئاً آخر سوى كرسي فارغ في انتظار من يقتحمه..
(4) وجه الصباح
في الغرفة الهادئة، النائمة في الستائر، الموغلة في السواد، اخترق الصباح النافذة، جاءني صوتك:
- أرجوك اطرد هذا الوجه الذي يرقبنا..
أجيبك:
- أحب وجه الصباح المضيء كوجهك..
تصرخين:
- أكرهه، أتشاءم منه.
وجه الصباح، أطل يوماً فأظلمنا، ثم أطل مستلقياً على صفحة الشمس، مقهقها، فرحاً، فأعلن فراقنا.