فطر الإنسان على حب الجمال (إن الله جميل يحب الجمال) ابتداء من جمال الروح المتمثل في حسن الخلق مرورا بكل ما يحيط بنا من جمال البيئة أو ما ينتجه الإنسان من أدوات دفعته الحاجة إلى إنتاجها في كل ما فيه نفع من أدوات استخداماته في المشرب أو المأكل أو الملبس أو ما يتعلق بأثاثه وصنع سبل التنقل من سيارات وطائرات أضفى عليها حسه الجمالي.. وتتنافس على هذا الاهتمام مختلف شعوب الكرة الأرضية مهما تنوعت مواقع عيشهم أو ثقافتهم واختلاف قدراتهم على إتقان صنعتهم أو تفردهم بها، فأصبح لكل شعب صناعته وفنونه.
تلك الصناعات لا تخلو من الجمال المرئي المباشر الذي يطبع ويغرس على ما تتم صناعته من كل ما يستخدمه الإنسان، وقد تكون الزخرفة ابرز ما يحسب لتلك الشعوب ويحدد هويتهم وشخصيتهم، وقد برز هذا التميز في كثير من الحضارات منها الصين واليابان وشعب المكسيك والفنون الإفريقية والهندية، الكثير منها انتشر وتناقلته أيادي الحرفيين الذين يجلبون للبناء والتزيين بين القارات والدول مع ما يطرأ عليها من تغير أو تبدل في جانلبه.. الإضافة أو الاختزال مع بقاء روح الأصل.
وقد أشير في كثير من البحوث عن تنوع الزخرفة وقسمت إلى ثمانية أقسام منها البدائية وتعني الرموز البسيطة غير المعمقة ظهرت فترة ما قبل التاريخ كذلك التعبيرات الرمزية والمرتبطة برسوم ذات دلالات إما دينية أو سحرية وصولا إلى التعبيرات بالكتابة الرمزية التي تحولت من الرمز إلى حرف ثم جملة والى لغة التعبيرات الحيوانية فالتعبيرات الهندسية وما اشتملت عليه من تكوينات اقرب إلى أنماط الهندسة.
أما التعبيرات النباتية التي تشكل إيقاعا متتابعا من النباتات من خلال استلهام فروع الأشجار وتكوينها كافريز يكرر الشكل فيه مع ما لحق ذلك من إضفاء الأوراق والزهور إلى آخر قائمة العناصر النباتية.
عشق الشعوب للزخرفة
لا يمكن لأي باحث أو دارس أو محب لمعرفة ثقافة الشعوب أن يزور بلدا أو يقرأ كتابا إلا ويجد لفنون الزخرفة مساحة في الواقع أو في ما يرد من كتابة وتوثيق، ولا تخلو مدينة من مدن العالم من أنماط الزخرفة خصوصا في مبانيها القديمة وقصورها التاريخية، وتختلف كل مدينة أو منطقة حضارية عن الأخرى، فالمناطق الساحلية لها خصوصيتها التي تتقارب فيها مع شقيقاتها في الموقع ذاته كان نرى النمط الزخرفي للمدن على البحر المتوسط تختلف عن المدن على المحيط الهندي نتيجة تنقل الحرفيين بين تلك المدن وتبادل الخبرات بينهم دون الإخلال بالنمط العام. كما إن المدن البعيدة عن السواحل والتي تقع على الأنهر لها أنماطها وخصوصيتها.
أما الجانب الأقل اهتماما بهذه الانمط من الزخرفة فنجده في المناطق النائية أو التي لا يرى سكانها أن لها من الأهمية أكثر من السكن ذاته، ونعني بها الشعوب التي تعيش متنقلة في الصحراء وتحولت إلى إنشاء مدن متأخرة بعد التحضر والاستقرار ومنها الجزيرة العربية التي كانت تعتمد على التواصل التجاري عبر مناطق محدودة مثل الفاو التي وجدت فيها بعضا من الأدوات التي تحمل زخرفة آشورية وأخرى حميرية ما يدل على أنها كانت مدينة للتبادل التجاري بين الشمال والجنوب.
اهتمام الإنسان بالزخرفة
ومع أن موضوعنا اليوم أكثر بساطة وأقل بحثا في عالم الزخرفة إلا أن التذكير ولو بالتلميح والإيجاز عن تاريخ الزخرفة وتنوعها ما يعيد القارئ لمختزله الأكثر عمقا والأبعد وعيا بالكثير منها، حيث إن لكل حضارة من الحضارات التاريخية الكثير من الخصوصية حيث أصبحت الفنون والزخرفة تنسب لها كالزخرفة الإغريقية والفنون الفرعونية والهندية إلى آخر المنظومة، وهذا دليل لا خلاف حوله على اهتمام الإنسان بالجمال وتزيين كل ما حوله، فأصبحت تلك الشعوب تتنافس على إبراز قدراتها وتصديرها إلى الآخرين مع اعتزاز الكثير منهم بربطها بتاريخها وثقافتها، واليوم نستعرض كيفية طبع تلك الزخرفة واستخداماتها المتعددة وفي مناطق كثيرة متباعدة، وأبرزها الزخرفة البدائية الأكثر بساطة والأسهل في التناول والمعتمدة في غالبيتها على التكرار المنسجم والتنوع المتشابه بحرفية تبقيها محببة غير مملة.
ففي الصور ما يظهر على المنازل في قرى افريقية وأخرى في جنوب المملكة تدل على تقارب الأحاسيس أو توارد الخواطر إن صح التعبير أو تناقل الثقافات والحرف ومنها ما جعل جزءا من جمال ما يستخدمه الإنسان من سبل التنقل كالجمال وعلى المنازل وحتى على الأيدي وعلى السجاد والأبواب.
monif.art@msn.com