إلى حيث أنت أيها الصامد الشامخ.. كانت صداقتنا لدقائق معدودة لكنها من النوع التي تسرق الألباب، وتتجاز الحجّاب. كنتَ ومازلتَ ملء السمع والبصر، يكفيني أن تصلك هذه الرسالة حيث أنت.. أتذكر فيها قول صديق المكان:
بيني وبينك أحداثٌ وأزمنةٌ
ومهلكاتٌ وأبوابٌ وأغلاقُ
برغمها أنت في سمعي وفي بصري
فالروح رغم سدود البغي سبّاقُ
أراك طوداً بوجه الريح معتمداً
ماعاد يثنيك إرعادٌ وإبراقُ
نضوٌ وجنباك ضمّا خافقي أسدٍ
وإن تكالب أطواقٌ وأبواقُ
يارحمتاه لأهل الحب كم دنفوا
وكم أذاقوا من الويلات أو ذاقوا
ماذا تذكّر من أهلٍ ومن ولدٍ
وقد أحاطك أسوارٌ وأطواقُ
ياربّ يومٍ قصيرٍ في تطاوله
نهر الهوى فيه يجري وهو دفّاقُ
لازلتُ أحيا على وعدٍ على أملٍ
مهما تقاذف هذا الليل آفاقُ
مصممون على اللقيا وإن كرهوا
وعازمون على المسرى وإن ضاقوا
دلفتَ أنت لذلك المكان المظلم وقد عرفتَه سنين عددا، فماراعك ضيقه، ولا أفزعك صديقه، فجئت إليه على مهل ومكث كما هي عادتك ..تفتل الإفك والظلم في الذروة والغارب، وتقاوم الباغي في كل سرب حتى تنال منه في أساس كرسيه المهترئ.. فيريد ان ينال منك في قلبك الذي لايملكه إلا الذي خلقه بهذه القوة والنضال.
الغار ياصديقي خَرَجَتْ منه أعظمُ آيات القراءة وأجمل ترانيم الوحي (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم):
صناع مجد الأرض قادة شعبه
المصطفون إلى الورى سفراءُ
«اقرأ» بنور الله أول أحرف
في الوحي ضج بذكرهن (حراءُ)
«اقرأ» ورب العرش أكرم واهب
فالدين والخلق الكريم لحاءُ
«اقرأ» أراجيز الخلود بلوحها
نورا وتحريرا كما الحكماءُ
اصنع ثقافة ناقد ومحقق
يأتيك من رحم الذكاء زكاءُ
اصنع ثقافة عالم ومعلم
فبها تغار الشهب والأنواءُ
اصنع ثقافتك التي تزهو بها
في عمقها الأنحاء والأرجاءُ
أزماتنا في الشرق تخطف حولنا
كتلٌ تبدت حولها أشلاءُ
تبا لرأي المستبد إذا قضى
أمرا تغشى في الأنام قضاءُ
والمخلصون إلى السماء معراجهم
شغفا وفي أراضينهم إسراءُ
يدعون للإصلاح ما عاشوا هدى
حاشا تصد سبيلهم ضراءُ
سيحل وجه الصبح في روضاتنا
وتهز أوراق الفنا أنداءُ
ونقيم أعراس المنى في مجدنا
وتدق أوتار الغناء ورقاءُ
.. وحينها سأقول لك كفاحاً دون واسطة: رضي الله عنك ياصديقي.
abdalodah@gmail.com
- الولايات المتحدة