ليست تفاحة إسحاق نيوتن، ولا مقضومة ستيف جوبز هذه المرة. هي تلك التي أنساها طوال الوقت ولا أتذكرها إلا حين أفتح حقيبتي صباحاً بحثاً عن شيء أو تأكداً من وجوده، فأجدها مغلفة أو مقطعة في حقيبتي الطافحة بي وبالنهار كله وبكل ما لا يوجد في حقيبة فتاة تذهب إلى الجامعة في هذه الأيام.
(تفاحة أمي): التفاحة الثالثة التي لم ولن تفهم الفيزياء ما تعني.
أمي تعرف جيداً ودائماً.. منذ الضفيرتين والمريول الذي أصبح تنورة، والتفاحة لم تصبح إلا حباً مبتكراً في كل قطعة أو قضمة. جرعة من الجدوى الصباحية لمصافحة الحياة بلا كُلفة. وما زلتُ لا أدري بعد عن الفرق اللذيذ في طعم التفاحة التي تغسلها هي وتغلفها لي وبين الشيء ذاته إذا قمت به أنا!؟ هل هو طعم حب الأمهات المرتبط بالطعام منذ الحبل السري إلى زجاجات الحليب و(السيريلاك)!؟
أمي تعرف جيداً ودائماً.. تَحْدُس من تلقاء قلبها وتعرف ما إذا كنتُ أنا أم لا! تعرف أنني لست في مزاج جيد في نهارات كهذه، فأرى بين المحاضرات قلبها الذي يظهر أكثر من مرة على شاشة الهاتف وليس رقم هاتفها؛ لتبتكر ألف حجة للاتصال متمنية أن تنطلي عليّ حيلة من حيل الأمهات هذه. فقد يكون الاتصال مرة للسؤال عن بطاقة ملفها الصحي التي قد تكون في محفظتي ربما! أو عن موعد شركة الصيانة لغرض ما! أو أن جدتي تسأل عني! أو عن اختفاء شيء لا يختفي أصلاً، ثم تسألني في أي مكان قد وضعته!؟ ثم ما إن أبدأ في التذكر والاسترسال تقول لي: (خلاص تذكرت.. تذكرت)!! لأضحك وأقول لها بأنني أكلتُ التفاحة الكونية وأنني بخير كثير بكِ.
أمي تعرف جيداً ودائماً.. ما معنى أن أنام في غرفتها؛ لتقرأ عليّ ما تحفظ من القرآن دون أن تنبس بكلمة واحدة أو سؤال. طالما أنني لم أتكلم ولم أشتك؛ لأنها تعرف بفطرتها الكثيرة أن شيئاً كهذا لا داعي لكشطه من جديد وإنما تطهيره أجدى. حيث لم يصله مفعول التفاحة السحرية بعد.
أمي تعرف جيداً ودائماً أنني أحبها أكثر مما أشعر وأفهم وأفعل، وأنني أخشى على قلبها المعطر بالجنة والتفاح. فهي مذ عرفتها لم تكن أمي وحدي رغم كل هذه التفاصيل والوقت الذي أشغلها فيه، فكثيراً ما أشركت أيتام العالم في حلوانا وتفاحنا.
وأعرفُ جيداً ودائماً أنها لا تدس التفاحة كل صباح في حقيبتي وحسب؛ لأن طريقتي في الأكل لا تعجبها، وأنها تخشى علي من فقر الدم، و و و....لا! بل تدس أشياء كثيرة معها من طهر روحها، والكثير الكثير من قلبها بجدوى تفاحة.
- الرياض