الكتابة موهبة وطبع يصقل بالقراءة والاطلاع والدربة، وما لم تكن طبعا فيك فستكتب لكنك ستخفق وتكثر من الإخفاق، ويكفيك ما ورد في البيان والتبيين: «إن أنت تكلفت ولم تكن حاذقا مطبوعا ولا محكما لشأنك بصيرا بما عليك ولا لك عابك من أنت أقل عيبا منه ورأى من هو دونك أنه فوقك».
لن تكون للإنسان بصمته وتاريخ خلوده في الكتابة إلا حين تمتح كتابته من فكره واستقلاليته وتلقيه لا من محاكاة غيره وتلقيهم، ورؤيتهم النموذج الأعلى الأوحد!
الكتابة ليست روشتة تداوي اهتزاز ثقتك بنفسك؛ فتتغصبها لأجل المديح الذي يملأ شيئا من فراغك الداخلي السحيق!
من يتخذ الكتابة مهنة فإنه سيجيد، بيد أنه لن يصل إلى مرحلة الفنّية فيها؛ حيث الفن صفة الإبداع والعبقرية التي لا يصل إليها صاحب المهنة!
الكاتب الحقيقي الذي يكتب بقلبه وحسّه وفكره وضميره، وبشريته وليس ملائكية يتقنّع بها. ومتى كانت هذه صفاته فإنه سيواجه وسيرجم، بيد أن أمثاله لم يطمحوا يوما للسلامة في سبيل ما يرون أنه يحمل قبسة من حق. فالكاتب الحقيقي لا يبالغ في أحلامه ويتوقع الشجب لا محالة، ويعي قول ابن المقفع حين قيل له: ما البلاغة؟ فقال: قلّة الحصر، والجرأة على البشر.
ولكل كاتب مهرّج أقول:
يا باحثا عن الشهرة بأرخص طريق وأخسأه.. يا راكضا خلف جمهوره أو خلف لقبه العلميّ، لا تلم من يشنؤ حرفك؛ لأنك بتكلفك للحرف أهنته؛ فأهانه القارئ بعدك جزاءً وفاقا!
وحسبك مقولة العقّاد: «الفنان المستقل قد يقول ما يشاء، ولكن الفنان الهوّاش قد يربح ما يشاء»!
خاتمة
قال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عيّاش العبدي: ما هذه البلاغة فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا.
لا يمور الصدر إلا بألم أو أمل أو تأمل..
متى مارت الكتابة في الصدر مور السنان في المطعون أمخضت عن حرف بليغ مؤثر.
- الرياض