أفرحتني كثيراً الخطوة الجريئة التي أعلن عنها الشيخ عبد الرحمن السديس في أعقاب تسلمه منصب رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، عندما أعلن عن تحويل معهديهما إلى جامعتين، مستغلاً حماس ووطنية ولي الأمر الذي ولّد الكثير من الإنجازات الحضارية بأسلوب غير مسبوق، ذلك أنها تعني خطوة أولية في طريق استعادة الحرمين الشريفين لمكانتهما العلمية التي حجبت عنهما عقوداً من الزمن حتى صار الجامع الأزهر في مصر أكثر حضوراً وتأثيراً في العالم العربي والإسلامي، ولم يكن تفوق الحرمين بارزاً إلا في الناحية المعمارية، وكان من المفترض أن تتزامن حضارة البشر مع حضارة الحجر في هذين المعلمين الدينيين اللذين لا يشاركهما قداستهما في الكرة الأرضية إلا المسجد الأقصى وحده، ولا علينا من المقدسات المزيفة في بعض أقطار العالم الإسلامي، فالحرمان الشريفان جديران بأن يكون لهما مرافق إفتاء وهيئات علمية وأن يكونا مقرين للنشاطات العلمية والفقهية والدينية، حتى لا تنحصر أهميتهما في أداء الصلوات وأداء النسك، على أهميتها، وقد كانا مركزين حتى لاتخاذ قرارات الحرب وما في حكمها من القرارات المصيرية، والعالم في شتى بقاع الأرض ينظر لهما نظرة مختلفة، ويعلق عليهما آمالاً في تصحيح مفاهيم الناس الدينية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والسياسية، بل إنهما قادران على الوقوف في وجه الدجل والخزعبلات التي قد تؤدي الى الشرك بالله في كثير من البلدان الإسلامية، ومن ثم يمتلكان القدرة على إيجاد حوار قوي مع مختلف التيارات حتى يتكرر دخول الناس في دين الله أفواجاً في زمن يكاد الباطل فيه أن يكتسح ما عداه بعد ما ضعفت الحجة عند علماء المسلمين وبعد ما كاد الدين أن يُختزل في أمور ثانوية على حساب المسائل الفقهية الأكثر أهمية في حياتهم!!
الحرمان الشريفان مركزان مقدسان لبث التنوير الديني والعلمي سواء في الدراسة النظامية، أو في الإفتاء الوسطي الذي لا تشدد فيه، بل إني أذهب الى أن أحدهما هو الأجدر بأن يكون مقراً للمنظمات الإسلامية كمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو المجمع الفقهي أو غيرهما، بل إن من واجب هيئة الحرمين الشريفين في حالة قيامها ترويض الحكومات الإسلامية على التقيد برؤية الدين الصحيحة في ممارسة الحكم بعيداً عن الجور الذي تميزت به حكوماتها، ورفع الحيف عن الأقليات المسلمة على مستوى العالم، وكأنهما سند لكل ما هو إسلامي.. وتحية لفضيلة شيخنا السديس.
الباحة