لم صحت الياء من (معيشة) حين كُسّرت على (معايش)، وأعلت من عجيبة حين كسرت على (عجائب)؟ ومثل ياء (عجيبة) الواو المزيدة كما في (عجوز) تقول: عجائز، والألف المزيدة كما في (رسالة) تقول: رسائل.
فسّر الصرفيون ذلك بأن الياء من معيشة عين الفعل فصحّت، وأما من عجيبة فمزيدة فأعلت وكذا الواو والألف، ولكن ذلك على صحته لا يكفي تعليلاً لأن مستعمل اللغة لا يفرق بين أصليّ ومزيد؛ ثمَّ إنّ الواو من جدول مزيدة عندهم؛ ولكنها تصح في (جداول - محاور)، وقد عللوا ذلك بتحرك الواو في (جدوَل - محوَر) فليست بواو مدّ، وهذا صحيح غير أنّ الأمر لا يفسر تحول المدود إلى همزات، ولعل الأدنى إلى التفسير أن يقال: إن المدود الزائدة هي في أصلها همزات، فالبنية العميقة (أي: الأصل) للواحد (عجيبة) هي (عَجِئْبة)، وكذلك (عجوز) في بنيتها العميقة (عَجُؤْز)، وكذا (رسالة) في بنيتها العميقة (رِسَأْلَة)، ونال المفردات وأمثالها في طور من أطوار اللغة حذف الهمزة (تسهيلها) فكانت المدود بالمطل، وهذا القول هو متابعة لما افترضه أستاذنا داود عبده في أصل الألف المزيدة وهو أنها همزة، ثم حذفت ومطلت الفتحة التي كانت قبلها مثل (عَأْلَم) تصير (عالَم)(1).
ومن هنا ندرك الفرق بين (معيشة) و(عجيبة, عجوز، رسالة) وهو أنّ ياء المد من (معيشة) ناتجة من حذف الياء ومطل الكسرة التي بعدها، وأما ياء المد من عجيبة فناتجة من حذف الهمزة ومطل الكسرة التي قبلها؛ وكذلك واو المد من (عجوز) ناتجة من حذف الهمزة ومطل الضمة التي قبلها، وكذلك الألف من (رسالة) ناتجة من حذف الهمزة ومطل الفتحة قبلها.
ولعل التكسير إنما يكون لأصل الواحد فصحت الياء في معايش، وظهرت الهمزة في عجائب وعجائز ورسائل.
مَعْيِشَة، مَعايِش عَجِئْبة، عَجائِب عَجُؤْز، عَجائِز رسَأْلة، رسائِل وأما (جدول - مِحوَر) فالبنية السطحية والعميقة فيهما سواء؛ ولذلك لم ينلهما تغيير عند التكسير: جَدْوَل، جَداوِل مِحوَر، محاوِر وأما همز (معائش - مصائب - منائر) فهو مسموع لا يقاس عليه، ووصفه اللغويون بالضعف، وأما القياس فهو:معايِش ومصاوِب ومناوِر.
(1) داود عبده، دراسات في علم أصوات العربية، ص80.
الرياض