قصص منيرة الازيمع
لقاء مؤجل
كان يسكن بقارة أخرى وبعد أخذه لإجازة قصيرة اتصل بها عند مجيئه. كان يأمل أن يلتقيا ولكنه لم يستطع اقتراح شيء من هذا القبيل, وكانت هي تنتظر لقاءه لكنها لم تستطع لسبب آخر لا علاقة له بالجغرافيا كانت علاقتها بالأشياء المؤجلة جميلة.
تركسي
البيت مضاء بنور النهار الساطع، وقت الضحى الذي يأتي من النوافذ الكبيرة للصالة المسقوفة بالخشب والأرضية، والأرضية المصنوعة بألواح الخشب، الجدار الطيني يتسرب الضوء للمطبخ المفتوح كرتم موسيقى، طاولة طعام عليها خبز يتصاعد منه البخار بجانب قالب من المرغرين، وجار من مربى توت العليق وصحن من شرائح جبن الماعز المصنوعة بيتياً، على حافة النافذة كُتّاب فوقه تفاحة مقضومة وعلى يد المقعد المجاور للنافذة تتدلى حقيبة عملية من جلد الوعل، مفتوحة بإهمال وعلى المقعد يغط قط بنوم عميق، ومن حذاء رياضة مُلقى تحته تفوح رائحة بودرة عطرية.. وبجانب النافذة قفص عصفور خالٍ لفَ حوله شريط أسود.
مجتهد
حاول كل الحيل للدخول إلى عالمها، استمات بمحاولاته, ولكنه استسلم سريعاً وقد قنع بأن تتذكره بأي شيء.. حتى وإن كان كأحقر شخص عرفته.
لمعان
عند عودته من سفرته الأخيرة، لم يُحضر لها هدايا كثيرة كعادته, عندما يعود من سفراته المكوكية الكثيرة، واكتفى بأن دعاها لمأدبة عشاء... كانت واقفة أمام المرآة تستعد وتتفقد زينتها عندما أخرج عقد الماسيا وطوّق به عنقها بعد أن ثبته لها، لم تحاول مساعدته، كانت تنظر لشيء آخر بالمرآة... ولم يلمح وهو يفتح الباب لها لمعان دمعة بعينيها كانت أشد بريقاً من عقده الماسي.
صرير باب
صباح اليوم بعدما ارتديت ملابسي، وأخذت حقيبتي في طريقي للخروج، حاولت إغلاق الباب خلفي فأحدث صريرًا حزينًا آلم روحي، جعلني أتذكّر كل الأبواب التي أغلقتها خلفي.
قصص موسى إبراهيم الثنيان
الجندي والزهرة
من طلقة رصاصة لم تتناثر بتلات الزهرة
طلقتان... ثلاث... أربع... تطايرت بتلاتها
التفت للخلف ليشاهد مشتلاً من الأزهار
احتراق
ينتظر الفوز في المسابقة الكبرى، يحلم برحلة فضائية إلى أرض القمر
جاءته رسالة من بريد مجهول، لم تكن من بريد المسابقة... كان مكتوباً فيها أنا ذات الشعر الأصفر...
أدعوك إلى رحلة إلى كوكب الشمس، تعرّى من ثيابه وراح يرقص فرحاً.
شفاء
في المساء ذهب ليطمئن على مريضه، الذي استغرقت عمليته ثماني ساعات.
كان متوجعاً تخرج من صدره أنة ساخنة تلفح جدران الغرفة فكر بدواء يخفف عنه حدة آلام الجرح..، بعد قليل دخل زائر يحمل باقة أزهار، ارتسمت ألوانها في عيني المريض، فانسابت الأزهار أنهاراً سائغة ارتوى منها حد الشفاء فنهض كنحلة نشيطة... تمتم الطبيب بكلمات وأسرع مغادراً.
بحجارة من زيتون
عقدَ الطفل أحبلة الأرجوحة في شجرة الزيتون كأشرطة تهذب شعر فتاة حسناء.
راح يمتطيها كنورس يريد التحليق دون جدوى.
وثبّت عليها جرافة أخذت تقطع أوردة الشجرة، في حين لاذ الطفل بالفرار، والجندي يبتسم كتمساح جائع... تمددت في لحدها فعاد الطفل يأكل من ثمرها باشتهاء!
قصص ناصر الحسن
قفل صدئ
أفلتت كلّ المفاتيح التي في حلقتها
بزهو مفرط، حتى إذا صدأ قفلها
لجأت إلى المفاتيح المستوردة بترجٍ..!
مفر
تتسارع خطاه في الهروبِ منه كلّ يوم. حاول أن يتحاشاه في الطرقاتِ والأزقة. كان يغلق باب الدار بإحكام خوفاً منه. والنوافذ يسد ثقوبها كي لا يدخل منها. خرج ذات صباح رآه أمامه يحدق فيه، عانقه وفر معه للأبد.
عري
خرجتْ إلى الشارعِ عاريةً لِيروا جَمالها. استنكروا فِعلها المشين.
غَطوها بلحافٍ رهيفٍ وقالوا:
إنّا وجدنا آباءنا
عَادوا إلى منازلهِم، تجرّدوا منْ كلّ شيءٍ، أطفأوا الأنوار ولعنوا آباءَهم.
زائرة الليل
حين يرخي الليل سدوله، تزورني على حين غرة.
تلتحف معي في فراش واحد محاولة خطب ودي. عبثاً أحاول طردها،
أدير لها ظهري وأنام..
ينبثق نور الصباح، أهم باحتضانها أجدها تلاشت.
قصص ناصر العديلي
الطاووس
يقود سيارته اللكزس الفارهة ذات اللون الأحمر الفاقع وسط الشارع العام المزدحم، يتباهى بملابسه الجديدة، يعجب بنفسه مثل طاووس، يدخن سيجارته، يفتح النافذه، ينفذ دخانها على الشارع أمام الناس، يتوقف عند الإشارة يرمي عقب السيجارة وسط الشارع، ينظر إليه الآخرون بإزدراء.
وظيفة شوق
دخلت المكتب ارتبكت، افتر ثغرها، احمر خدها، سلّمت وابتسمت، ضحكت، صمتت، تحركت، تضوع العطر، تكلمت، بشوق عينيها. تساءلت عن وظيفة!
فوجئت بها، تأملت ارتبكت، سلمت احترت صمت وصمدت، رحبت سكت وبشوق أجبت، نظرت إلي بشوق عينيها تساءلت عن وظيفة!
صمتت، طلبت التفتت، حضر الماء والقهوة التركية..
شربت، تحركت تضوع العطر وامتزج برائحة القهوة، تلذذت بطعم القهوة.
تحدث الشوق كما يليق بمشتاقين
احتارت نظراتنا وتساءلنا مَنْ يوظف مَنْ!؟
التفاحة
زارهم في منزلهم الجديد، رحبت به، قدمت له تفاحة حمراء وسكيناً ذهبية في صحن مرمري أنيق..
نظرت إليه خجلة مبتسمة بعيونها الزرقاء الجميلة، نظر إليها.. نظرت إلى التفاحة،
شكرها.. حمل التفاحة في يده.
احتار هل يقظم قلبها أم يقطع التفاحة بالسكين الذهبية، أم يدسها في جيبه!
تعلق بمملكة وجهها، غرق في بحيرة عيونها، نسي كل شىء..
قصص نجاة خيري
رضوخ
مسجون أطلقت سراحه تسبيحة
هوى
جهنمية النبرة أردته قتيلاً
سالب صفر
أنهى المعلم الدرس وقال: اكتبوا
أخذ قلمه الذي لا يكتب وخط:
إنني لست موجوداً.
نرجسي
أرسل ظرفاً يعج بالذكريات إلى العيون الرمادية فاحترق
سحر
أسدلت شعرها الغجري على قدها الممشوق, فالتحف به ونام
جنون
تمرّدت على أنوثتها ونامت
تمرّد على رجولته ومات
غرور
رأيته عندما أوصد الباب على أن لا يعود مجدداً.
لا يهمني,,
فالأمر أعمق من ذلك
مجرم
كان يجمع كل الياسمين من حدائق خدها الغنّاء في وعاء ليس به قاع.
قصص نورة شرواني
خوف
من مقعدها في الباص الضخم الذي أقلنا من مدينة لأخرى عبر خط سفر طويل، تصارع تلك المرأة الأربعينية النوم.. فرأسها يدور أحياناً ويسقط إلى الأمام أحياناً وفجأة يرتد إلى الخلف مرات عدة.. أتساءل بصمت لماذا لا تستسلم له؟!... وأرقبها من مقعد خلفها مباشرة... من بجوارها كانت تحادثها بما لم أسمعه.. لكنني سمعت صوت المرأة الأربعينية جيداً عندما قالت: لكنني أخاف.........
ظل
« أعيش معه كزوجة... ويعيش معي كظل
ونهاية كل شهر
يتقاضى أجر ظله مني»
سقوط
اتكأ عليها منذ المرة الأولى التي اقترب منها.. بنت طيور أعشاشها وهو متكئ عليها
.. غادرت الطيور في مواسم هجرتها.. وهو لا يزال يتكئ عليها... .مرت سنوات...
شاخت فمالت قوائمها قليلاً... فسقط..
جريح
أحبها حد الجنون.. هكذا كان يهمس لها دوماً... وكم رجته أن يعتدل في حبه لها.. كم من مرة «قالت له: المرأة يا حبيبي لا يجوز أن تتدفق حباً لها أعطها القليل فقط وسوف تقنع..
هذا ما قالته جدتي»..
لم يستمع إلى نصيحتها فعاش عاشقاً ومات جريحاً...
خيبة أنثى...!
تجلس على رصيف.. مثيرة لفضول المارة.. تجمع بين يديها ثلة من خيباتها
ومن حولها خيبات أخرى.. تبتهج.. على شفتيها ابتسامة طفلة.. ويرتفع صوتها بفرح «خيبة.. خيبتان.. ثلاث.. آ آ آ.. ربما عشرة..» تخطئ عدها... تعود من جديد لتجمعها وتنثرها مرة أخرى وتعيد العد..
يتوقف أمامها بعض الفضوليين ليسألها عن اسمها فتجيب دون أن تحول عينيها عن خيباتها: أنا.. خيبة أنثى.
قصص هدى النامي
ولادة
يمر الموت متخطرفاً على أوراك النساء
يرتحل مترفلاً بنقاط دم
إثر صرخة وليد
خنجر
لم يقر بأن وجهته ستقتل هذا الجسد
ظهر من غمده مغمض العينين
تزمُّت
أظهر كعب قدميه متنزها القصر
تحمل يده اليمنى مصحفاً والأخرى تدس قنبلة
طفولة
محا صفحة الواجب كاملة
خوفاً من إجابة خاطئة
رقابة
أعين مغمضة تبحث عن صرخة نعي.
مدرسة حكومية
معلم يحمل سلك راديو
فصل مقفل
طالب يرتجف
وزير
موكب غفير
يزف بطناً مملوءة
جنوح
يرتقون شق القميص برصاصة
يدعون أو لا
ثأر ممزق
دماء تنتحب بصمت
رُقية
ترتيل عميق
استجابة صرخة
عصاة مضطربة
جسد مرتعب
عين جان خفية
قصص عبد الجليل الحافظ
جنازة
قذف ما في جوفه. يرجع مترنحًا ليجلس بين أصحابه. يشاهدون جنازة مايكل جاكسون.. سألهم: هل تأكد إسلامه كي نترحّم عليه؟!!
ستر
كان يسير وراءهن صارخًا: الستر الستر يا إماء الله الستر الستر
التفتت إليه إحداهن قائلة:
What do you want ?
فأعرض وجهه هاربًا....
انتظار
ظلّ جالساً ينتظر مكالمتها لساعات طويلة، رنّ جرس الجوال قدوم مكالمتها إليه.
ضغط على زر مشغول.
كفاءة
اتفق معها على الزواج، وبأنه لا توجد قوة في الدنيا قادرة على التفريق بينهما، في المحكمة أذعن لأمر قبيلتها، ورمى اليمين.
إنسانية بلا ثمن
يقود سيارته مسرعاً.. فاجأه ارتطام جسد بمقدمة السيارة، أوقفها ونزل ليستطلع الأمر.. رآه من جنوب آسيا، ركب سيارته وانصرف.
قصص عبد الحفيظ الشمري
قرب وجرار
لفرط هشاشة أيامنا لم يَعُد بيننا ماء، أو طين.. فباستطاعتك أن تسأل اسكافياً أو فَخَّاراً.. أتحمل القرب والجرار حوزة السر.. فلك أن تصدق أن الجرار لا تكتم سر الماء، بل إنّ للقرب نفس النوايا إذ تذيع سر الماء دوماً.
توق
توق أحلامنا إلى مكان نأوي فيه. نمهد تراب الأرض في أول ليلنا الغاص بالشقاء. لا نلوي على شيء غير الحسرة حينما نضع أجسادنا على دعث أرض نرومه دائماً. يقول أشقانا: ليتنا تحت الأرض لنستريح من عنائنا.
قيادة
الأربعيني بصحة قوية وهياج واضح. لا يجيد القراءة.. بلحية كثة، ورائحة بخور مفتعل. يتخلّى عن (النقل العام) ليلوذ بتجارب (النقل الخاص).
نقل المعلمات مهنته الجديدة.. هاهو يجهد في انتقاء ألفاظ جديدة، ينغم حديثه، إلاّ أنها الكلمات تخرج متعثرة.
دوي
في المطار وعلى حافة الخروج - الخط الأصفر - ختم ينتظره. لا يمكن أن يفارق إلاّ بوصيته الممهورة على خد ورقة من أوراق الجواز.
عينا الشرطي تحدقان بآلية متناهية ويده المدربة تمتد متسللة عبر غابات الورق متلمسة شيئاً ما وهو يرفع رأسه إلى الواقف بوجل، لتلتقط الأصابع الختم وتهوي على جوف الجواز، ليأذن الدوي بالخروج مغادراً.
وسنات
ساعة الجدار بطرقاتها الرتيبة غالباً ما توقظ هذه المرأة الممددة في السرير على مشارف السابعة، موعد إطعام عصفوريها.
الساعة لم تف بوعود حضور صوتها الرتيب، لتمنح المرأة سحبة نوم حتى الثانية لتفيق أكثر فالاً وتهرع إلى عصفوريها بود يشبه الاعتذار.
قصص عبد الرحمن العمراني
الأعمى
من بين الأزقة الضيقة المفضية إلى شارع فسيح يسيران معاً, خطوة بخطوة كجسد واحد, لا ينفصلان. مكللة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها. عيناها لا ترى أمامها, نحيلة الجسد فارعة الطول, خطواتها المتعثرة تقودها ببطء دونما تركيز، في حين أن خطواته تلازم خطواتها, وهو ممسك بذراعها الأيسر كغريق متشبث بقطعة خشب لتنجيه من الغرق, ولتبعث فيه شيئاً من الحياة. تسحبه بيدها وهي تلتفت يمنة ويسرة لتعبر به إلى الجهة الأخرى حيث متجر العطار.
عند أول عتبة في مدخل المحل تعَثّر الاثنان معاً فأخذ العطار يتمتم: كيف لأعمى أن يقود أعمى!
مواطنة!!
في عامه الرابع حفظ النشيد الوطني كاملاً.. وفي العشرين من عمره توسّم جسده بآثار الحروب التي شارك فيها دفاعاً عن وطنه... وعندما بلغ الثلاثين أتقن صياغة أجمل قصائده الشعبية التي كان يكتبها في المناسبات الوطنية.
وبعد سنوات طويلة جداً جداً.
اكتشف أن هذا الحب لم يكن إلاّ من طرفٍ واحد !
وِحدَة
وحيداً كان يُغني...
وحيداً كان يرقُص...
وحيداً كان يبكي...
وحيداً كان يحلُم...
وحيداً... وحيداً..
بينما كانت هي تلتصق به على الأريكة الصغيرة، وتشاهد التلفاز !
جَميلَة
تُصرّ في كل مرة تسألها « الخَطّابة « إيش اسمك يا بنتي؟
وبنبرة حزينة ولسان ثقيل تقول: (دَمِيلَه)
إلا إنه لم يتقدم لخطبتها أحد.
فرحان
« فرحان المجنون « كما يسمّيه صِبية الحيّ، اعتاد أن يزرع البسمة على وجوه العابرين كل صباح من هذا الشارع، يسمع تلك العبارة اليومية: « يا فرحان فرّحنا «.. كان يحب دوماً أن يلقي النكت الساخرة، التي لا تخلو من الإيحاءات الجنسية، يستمعون لكل ما يقوله من جديد وقديم، لا يملّون حتى وإن كانت مكررة، فهو يمتلك أسلوباً ساحراً في الإلقاء، وصياغتها مرة أخرى، وكأنها تلقى لأول مرة.
ورغم ذلك ظل عاجزاً عن رسم ابتسامة واحدة في داخله تطفئ جحيم الحزن الذي كَسَا وجدانه طوال سنواته السبعين.
قصص عبد الله التعزي
سوف
ابتسامة مرتسمة على شفتيها بدون معنى. أنفها ارتفع إلى الأعالي يبحث عن نسمات الليل.
تنظر إلى الأسفل بتمعُّن، تبحث بعينيها عن حكايات تلك المنازل القديمة المتراصة تحتها. كونها بدون أقراط تبدو من بعيد ولداً صغير لم يتجاوز السابعة. عيناها فقط، برموشها الطويلة وتحجب القليل من أشعة الشمس عنها؛ هي التي توحي بأنها فتاة. من ارتفاعها التي هي فيه كانت تسند ساعديها على الحافة المعدنية ووجوم الهواء يقبع حولها.
سوف تفكر في الصخب والتربص فقد بدأت الإحساس بالعالم قبل لحظات، سوف تهز رأسها وكأنها مقيدة العينين بعصابة سوداء لزجة،
سوف يتقاطر السائل اللزج على خدها المتورّد،
سوف تصرخ من بين أكوام الجثث تحاول أن ترى الطريق إلى البحر أو إلى الصحراء،
سوف تعود إلى منازل المدينة التي تحتها لتتطلع في الأزقة والشوارع المتربة ثم ترفع مرفقيها وتعود أدراجها وكأنها لا ترغب في الانتحار.
تهالك ونظر
ابتسامته يعرفها تماماً فقد شاهدها في المرآة كثيراً. يعلم بأنها لن تستقر هنا في هذا المكان المعتم مع أنّ السماء مضاءة بشمسها الحمراء. لقد تركهم خلفه ودخل إلى البيت ليخرج من الباب الخلفي يتنفس هواء الحديقة. يدرك أن ليست هناك فرحة ولن يكون له جسد يشده إلى الأرض، لذلك تهالك على مقعد في الجوار. نظر حوله ورائحة الأوراق الخضراء تعبق في المكان.
كان الضوء خفيفاً يلفه بصمت. سمع خشخشة بجواره. فتح عينيه ببطء. لقد كان اتجاهاً جديد انتصب أمامه ساكناً. نظر إليه بتعب وغفا إلى اليوم.
أفراح ورائحة
بعد أن اشتدت فرحته وملأ الغرفة بالكلمات نهض من مقعده وبانتشاء النسور المحلقة أطفأ السيجارة في كفه الأيمن. لم يملأ الدنيا ألماً بل أطفأ سيجارة أخرى في كفه الأيسر وذهب بعيداً هناك في الركن يحتسي الكلمات ورائحة الشواء تتمسح بجدران الغرفة.
بعد سنين أصبح معتاداً على الحرائق ولم يتوقف قلبه عن الفرح.
اتجاه
إلى: الصوت والكلمات «هدى عبد الله».
في مكة. وقف في طرف الساحة ثم اتجه إلى الركن. ثمت أوقات يجبر نفسه فيها على الصمت رغم صراخه الداخلي لذلك كانت وقفته غير متزنة مع الهواء الذي يلعب بثوبه الأبيض. لم يكن الفضاء خالياً أمامه بل توجد مبان كبيرة تغطي معظم أجزاء الساحة وتسد الأفق أمامه حتى أنه شعر بالاختناق فتوجّه إلى الركن. تسللت إلى نفسه عشرون عاماً واشتبكت بيومه. لقد حضر هنا في هذه الساحة عندما كانت منزلاً واحداً من طابقين وسطوح، عرساً لأحدهم. كان يقف في ركن السطوح. عندها لم يتجاوز العاشرة. بحمل كل هذه السنين عاد يتحسس بأذنيه أنغام تلك الليلة. أرهف السمع أكثر لتزداد حدة الرياح قليلاً ويتبدى بعض الجمال مختلطاً بأصوات العرس القديم. لم تكن الأصوات واضحة في البداية، لكن جمالها تدفق بعد ذلك بقوة جعلته ينتفض وكأنه يرتفع عن الأرض. في تلك السن الصغيرة كانت رقصات النساء تعني له ما يشبه المزاح الذي يصل إلى حد الإزعاج، وهذا ما جعله لا يتذكر غيرها من النساء. لقد شعر برقصها جزاء من عادة تتحر بها من ألم. عاد اليوم بحثاً عنها وعن صلاتها تلك.
أجال النظر في أركان المبنى الكبير وهز رأسه متحسراً، إذاً فقد تهدم المبنى القديم ودفن بكل ابتهاج تلك الليلة. تحسس بعينه مرة أخرى المكان. رغم ارتفاعه البسيط عن الأرض إلا انه شعر بالمبنى الضخم وكأنه يتلاشى. لم يحاول أن يكذب عينيه بل أعجب بخياله هذا إلى أن تلاشي المبنى وتلاشت جميع المباني المحيطة وتبدى له البيت القديم مزداناً بالعرس. إذا فلم يهدم بل كان مختفياً.
أقنع نفسه بذلك واتجه بخطوات هادئة وجسد مرتفع نحو البيت القديم.
أصوات الغناء تقترب وتصطخب حول أذنيه.
رائحة الهواء مليء بالعطور القديمة ليختفي بين المدعوين كطفل صغير لم يتجاوز العاشرة.
قصص
عبد الله ساعد المالكي
حب الصراف
في الطريق جعل يمدحها ويسكب في مسامعها عطر الكلمات، عن المودة والرحمة والتضحيات، وفوق ذاك الثقة التي يجب أن تحل بالدار وترفرف على عشهما الزوجي.
عند جهاز الصراف وما بين الضحكات جعل يدخل معلومة وهي تدخل أخرى حتى رقمها السري تناوب معها على إدخاله.
تم تحويل المبلغ بنجاح، قالت العبارة على سطح الشاشة، ولكي يتأكد بأن راتبها قد أضحى في حسابه استل بطاقته، وقبل أن يبدأ طلب منها الابتعاد قليلاً كي لا تشاهد رقمه السري.!
غياب
افترسه الصمت وغزته الكآبة، زحفا على أطرافه كما تزحف الطحالب على المياه الراكدة، لم يأبه لصمته المريب من أحد.
كلمة مجنون. اخترقت مسامعه تأتيه من الأعطاف والزوايا ومن خلف الأبواب الموصدة.
ذات مساء كئيب. صعد إلى أعلى مبنى في مدينتهم. تأملهم طويلاً وعندما اكتمل جمعهم. هوى إليهم بجسده ثم غاب.
الدوار
الشمس والتوتر والزحام وأرتال من السيارات تزحف كي تجتاز الدوار.
مسافات قصيرة تفصل بين التصاق السيارات ببعضها. الجميع يتلفت بحذر خشية ان يتعانق الحديد على غفلة.
بينما ندور ببط شديد. وقع نظري عليهما. كان يتحدث بصلف ويشير اليها بعنف وهي تقبع الى جواره في صمت.
كصاعقة انهال فجأة عليها بصفعة. غاصت يمينه في السواد فترجرج شيء بصمت في أعطاف العباءة.
توقفت الحركة وسكن الهواء وأضحى الدوار يدور بنا ونحن عليه وقوف.
صديق قديم
كتب رسالة تهنئة لصديقه القديم. اجتهد كثيرا في اختيار كلماتها وتفخيم معانيها كيما تليق بمنصبه الجديد. تردد كثيراً ما بين مخاطبته بصيغة الجمع أم بصيغة المفرد. استوت الرسالة أخيراً من عدة كلمات جلها بصيغة الجمع. ضغط. إرسال. ارتعشت صورة المغلف الأصفر على شاشة الجوال.
بعد برهة قصيرة من زمن أتاه الرد. مكوناً من خمسة أحرف.
من أنت .. متبوعة بعلامتي؟ و !
قصص عبد الله المطمي
رضوخ
مانعتْ جمحت، رغم غلظة الشكيمة وإحكام اللجام، لم يكن سائسًا ماهرًا كان محبًا وصبورًا فقط، علقم الليالي وصهد الأيام جعلاه يبدو أكبر من عمره، رمقتْ أبناءها الثلاثة مليًّا وهم يحيطون أباهم بحميمية، نمتْ مشاعر دافقة داخلها، أزمعت أن تعوضه عمّا كانت قد حرمته.
ندم
جميلة جدًا لا مبالية، غادرت كل الأصوات الناصحة، ملّتها، عافتها، متمادية مع صهيل غيّها الصّاخب، صعقت، ذهلت من وشاية مرآتها وهى تريها عناقاً حاراً وحميماً بين غريبتين تسلّلتا غفلة إلى مفرقها مع مشطها الأسود، تنبهّتْ. تلفّتتْ لم تجد حولها أحدًا.
أزمة
أجمع أمره وعقد عزمه أن يكون هذا الاجتماع هو خاتمة موضوعه الذي طال كثيراً، عندما همّ بالحديث رفع رأسه فإذا هو بمفرده.
لغة
عندما دلفت صالة الانتظار المزدحمة والضاجة بالكلام، يسبقها عطرها الفواح، جلست صامتة، وتولى جسدها ثرثرته فأسكت كل من في الصالة.
سكر
قالت: وهي تضحك، كم ملعقة سكر قهوتك؟ قلت: ضحكتك مرتين، فأنا أعشق السكر.